الصيام والإنفاق في سبيل الله.. بقلم: د. ياسر أحمد العز
إننا في شهرٍ عظيم، وموسمٍ كريم وافر الأرباح، بركاته فساح يحتاج الجد والكفاح ولا يقبل الكسل والخمول والضحك و المزاح سخيِّ الفضائل، منوع الشمائل طيب البركات، تتضاعفُ فيه الأجور والطاعات ، وتُجزَلُ فيه المِنَحُ والهِبات. في ميدانه يتنافس الصالحون، وفي رحابه يتسابق المتقون؛ لينالوا جزيل العطايا, و فضيل التحايا من رب البرايا. والعبادات في رمضان كثيرة ومتنوعة، شرعها الله – ليتخير منها المسلم ما في وسعه وطاقته،ومن العبادات المهمة في هذا الشهر المبارك،: عبادة الصدقة وبذل الطعام للمحتاج والنفقة في سبيل الله، فكل ذلك من القربات التي يحبها الله -تبارك وتعالى- ولقد ضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أروع الأمثلة في البذل والعطاء في شهر رمضان.
كما وصف في سيرته العطرة أنه كان – أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ بل أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ”. والجامع بين تشبيه كرمه بالريح ( الشمول والسرعة والقوة )يقول أنس -رضي الله عنه-: “مَا سُئِلَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ” حتى أن رجلاً جَاءَهُ يسأله فَأَعْطَاهُ غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ -وهو يدعوهم للإسلام-: يَا قَوْمِ أَسْلِمُوا؛ فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاء من لَا يَخْشَى الْفَاقَةَ” ولقد كان الرجل يسلم ربما لا يريد الإسلام بذاته وإنما لما يرى من كثرة عطاء النبي -صلى الله عليه وسلم- المال والخير، كصفوان بن أمية رضي الله عنه-:الذي قال – “وَاللهِ لَقَدْ أَعْطَانِي رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مَا أَعْطَانِي، وَإِنَّهُ لَأَبْغَضُ النَّاسِ إِلَيَّ، فَمَا بَرِحَ يُعْطِينِي حَتَّى إِنَّهُ لَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ -وقد أعطاه يوم حنين- مِائَةً مِنَ الإبل, ثُمَّ مِائَةً ثُمَّ مِائَةً, حتى قال صفوان: أشهد بالله ما طابت بهذا إلا نفس نبي” بل بلغ من جوده -عليه الصلاة والسلام- أنه ربما سأله الرجل ثوبه الذي يلبسه فلا بمتنع من ذلك، يدل على ذلك ما رواه البخاري في صحيحه من حديث سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ بِبُرْدَةٍ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي نَسَجْتُ هَذِهِ بِيَدِي أَكْسُوكَهَا، فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ -عليه الصلاة والسلام- مُحْتَاجًا إِلَيْهَا، فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَهو يلبسها فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أكْسُنِيهَا، فَقَالَ: “نَعَمْ” فقام -عليه الصلاة والسلام- من المَجْلِسِ، ثُمَّ رَجَعَ، فَطَوَاهَا ثُمَّ أَرْسَلَ بِهَا إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ القَوْمُ: مَا أَحْسَنْتَ، سَأَلْتَهَ إِيَّاهُا، ولَقَدْ عَلِمْتَ بأَنَّهُ لاَ يَرُدُّ سَائِلًا، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَاللَّهِ مَا سَأَلْتُهُ إِلَّا لِتَكُونَ كَفَنِي يَوْمَ أَمُوتُ، قَالَ سَهْلٌ راوي الحديث: فَكَانَتْ كَفَنَهُ”.فهل علمتم بمثل هذه الأخلاق، وهل سمعتم بمثل هذا الكرم والعطاء؟ ولقد ذكر العلماء أن من أسباب كثرة الإنفاق والصدقات في هذا الشهر المبارك: أن فيه إعانة للصائمين المحتاجين حتى لا ينشغلوا عن طاعاتهم، بعيشهم وكسبهم ولهذا استحق المعين لهم مثل أجرهم، فمن فطَّر صائما كان له مثل أجره؛ ولأن الله يجود على عباده في هذا الشهر بالرحمة والمغفرة، فمن جاد على عباد الله جاد الله عليه بالعفو والمغفرة؛ فالجزاء من جنس العمل. ومن مزايا الصدقة في هذا الشهر أيضاً: أن الصوم ربما يقع فيه نقص أوخلل فمن أجل ترقيع هذا النقص، وسدِّ ذلك الخلل، تأتي الصدقة ولهذا أوجب الله على الصائم القادر في نهاية الشهر أن يخرج زكاة الفطر؛ لأنها طهرة للصائم من اللغو والرفث والفسوق الذي ربما يحصل منه في أثناء الشهر. ومن مميزات الصدقة في شهر الصوم: أنها إذا اجتمعت مع الصيام والصلاة وحسن الخلق كان هذا الرباعي كفيلا بدخول الجنة،: يقول -عليه الصلاة والسلام-: “إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا, وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا -يعني مثل الزجاج أسكننا الله وإياكم إياها- أَعَدَّهَا اللَّهُ لِمَنْ أَلَانَ الْكَلَامَ, وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ, وَتَابَعَ الصِّيَامَ وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نيام” يقول بعض السلف: “الصَّلَاةُ تُبَلِّغُكَ نِصْفَ الطَّرِيقِ، وَالصِّيَامُ يَبْلُغُ بِكَ بَابَ الْمَلِكِ، وَالصَّدَقَةُ تُدْخِلُكَ عَلَيْهِ “.