فاتن حمامة “الهروب من مصر”… الحقيقة وراء قرار الهجرة بسبب المضايقات السياسية

كتبت / دنيا أحمد
لطالما كانت فاتن حمامة واحدة من أعظم نجمات السينما المصرية، التي تميزت بجمالها وموهبتها الفائقة. لكن وراء تلك الصورة اللامعة، كانت هناك صراعات مع السلطة السياسية في مصر في الستينات، حيث تعرضت لضغوطات من جهاز المخابرات المصري في تلك الفترة. واتخذت قرارًا صادمًا بمغادرة مصر مؤقتًا، وهو ما أثار ضجة كبيرة حينها. هذه القضية ما زالت تثير تساؤلات حول العلاقة بين الفن والسياسة في تلك الحقبة. فما هي القصة الحقيقية وراء مغادرتها مصر؟
القصة كاملة:
فاتن حمامة، “سيدة الشاشة العربية”، التي اعتُبرت واحدة من أيقونات الفن في مصر والعالم العربي، كان لها حضور لافت على الشاشة وفي الحياة السياسية والاجتماعية في مصر. وُلدت في عام 1931، وأصبحت من أبرز نجمات السينما المصرية في الخمسينات والستينات، بفضل موهبتها الفائقة في التمثيل وأدائها المتميز.
لكن في الستينات، وتحديدًا في فترة حكم الرئيس جمال عبد الناصر، وبالتحديد في عهد صلاح نصر رئيس جهاز المخابرات العامة المصري في ذلك الوقت، كانت فاتن حمامة تعيش صراعات سياسية خلف الكواليس. وكما هو الحال مع العديد من الفنانين في تلك الحقبة، كانت الحياة السياسية تتداخل بشكل قوي مع العمل الفني، مما جعل بعض الفنانين عرضة لضغوطات وطلبات سياسية قد تتعارض مع قناعاتهم الشخصية.
الضغوطات السياسية:
بحسب مصادر قريبة من فاتن حمامة، تعرضت الفنانة الكبيرة لضغوطات من جهاز المخابرات المصري في فترة حكم صلاح نصر، حيث طلب منها أن تشارك في أنشطة سياسية أو أن تؤدي أدوارًا تمجد السلطة في أفلامها. وعلى الرغم من أن هذه الضغوط كانت شائعة في تلك الفترة، إلا أن فاتن حمامة كانت قد اتخذت قرارًا بعدم الانصياع لهذه الضغوطات السياسية. وكان هذا الموقف يتعارض مع مبدأها الشخصي، فقد كانت تؤمن بالحرية الفنية وعدم التدخل السياسي في اختيار أدوارها.

قرار الهجرة:
ورغم محاولات بعض الوسطاء تهدئتها وإقناعها بالبقاء، إلا أن الفنانة الشهيرة اختارت مغادرة مصر في عام 1966. وكان القرار يشمل السفر إلى أوروبا، حيث أقامت لفترة في لندن. هذا القرار كان بمثابة الصدمة في الوسط الفني، إذ لم يكن معتادًا أن يختار الفنانون الهجرة بسبب الضغوط السياسية، خاصةً وأن فاتن حمامة كانت قد وصلت إلى قمة الشهرة في مصر.
ما وراء المغادرة:
في عدة مقابلات صحفية لاحقة، تحدثت فاتن حمامة عن مغادرتها مصر وقالت: “لقد كان قرارًا صعبًا جدًا، لكنه كان ضروريًا بالنسبة لي في تلك الفترة. لم أستطع الاستمرار في العمل تحت ضغوط فرضتها السلطة، وكان الخيار الوحيد أمامي هو مغادرة مصر لفترة من الزمن. أنا أحب وطني مصر، لكنني كنت في مرحلة لا أستطيع فيها الاستمرار بمثل هذا الضغط.”
وأوضحت أيضًا في إحدى الحوارات: “كنت دائمًا أؤمن أن الفن يجب أن يكون بعيدًا عن السياسة. لم أكن مستعدة للمشاركة في أعمال لا تتوافق مع قناعاتي الشخصية، وكان عليّ أن أتخذ هذا القرار، رغم قسوة الظروف.”
العودة إلى مصر:
بعد فترة قصيرة من مغادرتها، عاد الوضع السياسي في مصر إلى نوع من الاستقرار، وبدأت فاتن حمامة تفكر في العودة. وفي نهاية الستينات، وعقب فترة من الإقامة في لندن، قررت العودة إلى القاهرة، حيث استأنفت حياتها الفنية مرة أخرى. وبالرغم من أنها عادت إلى مصر، إلا أن حادثة مغادرتها كانت قد أثرت على حياتها الشخصية والفنية.
تعليقات على الحادثة من نقاد ومؤرخين:
الناقد الفني الراحل كمال الملاخ ذكر في أحد تصريحاته: “ما حدث مع فاتن حمامة في تلك الفترة كان له تأثير كبير في الوسط الفني. كانت الفنانة الوحيدة التي اختارت المغادرة بسبب ضغوطات سياسية مباشرة، واعتقد الكثيرون أن هذه الحادثة قد عززت مكانتها كرمز للفن الذي لا يتأثر بالتوجهات السياسية.”
من جانبه، أضاف المؤرخ الفني الدكتور أحمد عبد العزيز: “كانت فاتن حمامة تمثل الجسر بين الفن والسياسة، ولكن قرارها بالابتعاد عن الساحة الفنية في تلك الفترة كان دليلًا على أن الفنان لا يجب أن يُستغل في صراعات سياسية.”

في النهاية فـ ان قضية هجرة فاتن حمامة في الستينات تظل واحدة من أبرز القصص التي رافقت مسيرة هذه الفنانة العظيمة. كانت هذه الحادثة بمثابة اختبار لإيمانها بحرية الفن وتقديم عمل فني بعيد عن السياسة. ورغم أنها اختارت العودة إلى مصر بعد فترة، فإن قرارها بالمغادرة ظل عالقًا في أذهان محبيها وكل من عاش تلك الحقبة.
فاتن حمامة لم تكن مجرد فنانة، بل كانت رمزًا للفن الملتزم والمستقل، الذي لا يمكن أن ينصاع للضغوطات السياسية مهما كانت الظروف.






