وجعلنا النهار معاشًا والليل لباسًا: تأملات في معاني الآية الكريمة

كتبت / دنيا أحمد
آية “وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا وَالْلَّيْلَ لِبَاسًا” (الفرقان: 47) هي من الآيات التي تحمل معانٍ عميقة ومتنوعة في القرآن الكريم، حيث تتجلى فيها حكمة الخالق في خلق الليل والنهار. في هذه الآية، يشير الله تعالى إلى دور الليل والنهار في حياة الإنسان، ويبرز كيف أن النهار يُعتبر وقت العمل والرزق، بينما الليل يُعتبر وقتًا للراحة والسكينة، حيث يتخذ الإنسان فيه لباسًا من الراحة بعد عناء النهار. هذا التوزيع الدقيق بين الوقتين يعكس توازنًا طبيعيًا وحكمة إلهية في تنظيم حياة الإنسان. في هذا المقال، سنغوص في تفسير هذه الآية وتأمل معانيها، وكيف يمكن أن تنعكس على حياتنا اليومية.
مفهوم النهار والمعاش
الآية الكريمة “وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا” تتحدث عن الدور الحيوي للنهار في حياة الإنسان. ففي النهار، يشرق الضوء ويظهر النهار ليكون وقت العمل والكدح. في هذا الوقت، ينشغل الإنسان بممارسة حياته اليومية، سواء كان ذلك في العمل، أو طلب الرزق، أو السعي وراء حاجاته الأساسية. والمعاش هنا ليس مجرد الرزق المادي فحسب، بل يشمل كل ما يحتاجه الإنسان في حياته من طعام، شراب، تعليم، وتحقيق أهدافه في هذا العالم.
يُعتبر النهار بمثابة الفرصة التي يمنحها الله لعباده لتحقيق التقدم والنمو في مختلف جوانب حياتهم. كما أن العمل في النهار هو فريضة على كل مسلم، حيث يحرص الإسلام على تشجيع العمل والكسب الحلال ويعتبره وسيلة لتحصيل الرزق الذي يسعى له الإنسان.

الليل واللباس
أما بالنسبة للجزء الآخر من الآية “وَاللَّيْلَ لِبَاسًا”، فقد ورد هنا وصف الليل باللباس، وهو تشبيه بليغ يعكس وظيفة الليل في حياة الإنسان. ففي الليل، يتوقف الإنسان عن العمل، ويأخذ قسطًا من الراحة والسكينة بعد عناء النهار. الليل يعكس حالة من الهدوء والاسترخاء، ويغطي الإنسان كما يغطي اللباس جسده، فهو بمثابة ستر وراحة له من تعب اليوم.
الليل أيضًا يُعتبر وقتًا للتفكير والتأمل، وهو الوقت الذي يجد فيه الإنسان نفسه بعيدًا عن ضوضاء الحياة اليومية. وفيه تتحقق معاني السكون والطمأنينة التي يعجز النهار، بحركته المستمرة، عن توفيرها. بل إن الليل يعد وقتًا للعبادة، ففيه تُؤدى صلاة التراويح، والتهجد، والتأمل في آيات الله.
التوازن بين الليل والنهار
في هذه الآية نجد أن الله سبحانه وتعالى قد وضع توازنًا دقيقًا بين النهار والليل، حيث جاء النهار بما يتطلبه الإنسان من طاقة للعمل والكدح، وجاء الليل بما يحتاجه من راحة وهدوء. هذا التوازن يعكس الحكمة الإلهية في خلق الإنسان وتنظيم حياته، فالإنسان بحاجة إلى العمل والإنتاج في النهار، ولكنه يحتاج أيضًا إلى الراحة في الليل لكي يستطيع الاستمرار في حياته اليومية.
إن تداخل الليل مع النهار في هذه الآية يبرز حقيقة فطرية أن الإنسان لا يمكنه العيش في تواصل مستمر بين العمل والراحة. يحتاج كل منهما إلى الآخر لكي تستمر دورة حياته بشكل صحيح.
التأمل في آثار الآية على حياتنا
في حياتنا المعاصرة، لا تزال هذه الآية تحمل معانٍ كبيرة تدعو للتوازن بين العمل والراحة. نعيش في عالم سريع، حيث يزداد الضغط في النهار بسبب متطلبات العمل والدراسة، ويتجه العديد من الأشخاص إلى العمل لساعات طويلة دون أخذ قسط كافٍ من الراحة. قد يؤدي ذلك إلى الإرهاق النفسي والجسدي، مما ينعكس سلبًا على جودة الحياة.
وهنا تأتي الحكمة الإلهية في هذه الآية لتذكرنا بأهمية الحصول على فترات للراحة والسكينة، فهي ليست ترفًا، بل ضرورة من أجل تجديد الطاقة والاستعداد لمواصلة العمل في اليوم التالي. هذه الراحة الليلية تعد ضرورية لصحّة الإنسان النفسية والجسدية، وهي جزء من التوازن الذي يحتاجه الإنسان ليعيش حياة صحية ومتوازنة.
آية “وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا وَالْلَّيْلَ لِبَاسًا” ليست مجرد ذكر لحقيقة فطرية في الطبيعة، بل هي دعوة للتأمل في تنظيم حياتنا اليومية وضرورة التوازن بين العمل والراحة. إنها تذكير بأن العمل في النهار لا بد أن يتبعه وقت من الراحة والسكينة في الليل، لتكتمل دورة الحياة بشكل صحي. علينا أن نتعلم من هذه الحكمة الإلهية، لنعيش حياة مليئة بالتوازن والصحة النفسية والجسدية.






