تحليل التنافس للنموذج الشيوعي الصيني وإمكانية التغلب علي الغرب بالشرق الأوسط
كتبت : د.نادية حلمي
تحليل إمكانية موازنة “النموذج القيمى الشيوعى الصينى” فى مواجهة “النموذج الغربى الليبرالى الأمريكى” فى منطقة الشرق الأوسط وإسرائيل
جاءت إستضافة الباحثة المصرية فى برنامج (شرق وغرب) على قناة (الشرق بلومبيرغ)، للحديث عن “مستقبل التنافس الصينى- الأمريكى، خاصةً فى النواحى الإقتصادية وغيرها، وتأثيراته ومدى إنعكاساته دولياً”.
فقد جاءت أبرز أوجه التنافس الحالى بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية حين أرسلت واشنطن وعبر إدارتها الحالية بقيادة الرئيس (جو بايدن)، مثله مثل الإدارتين الأمريكيتين السابقتين فى عهدى (ترامب وأوباما)، إشارات مضطربة وغير واضحة بشأن ضمان الولايات المتحدة الأمريكية للسلام والإستقرار فى منطقة الشرق الأوسط، فالرئيس (أوباما) تردد فى التدخل فى سوريا، وخلفه الرئيس (دونالد ترامب) الذى إنسحب منها بشكل مفاجئ، مما أثار مخاوف وشكوك النخب القيادية فى المنطقة إزاء الإلتزام الأمريكى بأمن (الملاحة البحرية وحماية الممرات المائية فى الإقليم).
وفى ظل الوضع الراهن وتزايد الشكوك حيال الموقف الأمريكى، إتجهت دول الإقليم نحو القوتين العالميتين الأخريين، وهما: (روسيا والصين)، بتفعيل الزيارات الرسمية على أعلى المستويات، وإرساء قواعد الشراكة فى مجالات متفرقة.
ونجد أن روسيا بطموحات إعادة بناء قوتها العالمية، وبتواجدها العسكرى فى سوريا وليبيا، فضلاً عن ترابط إقتصادها مع دول مثل مصر والجزائر والسعودية (عبر منظومة أوبك بلس)، نجحت فى ترميم علاقاتها الثنائية مع دول المنطقة، وإبراز ذاتها (كوسيط محايد) فى نزاعات الإقليم. كما أن مساعدتها لبشار الأسد ضد الضغوط الغربية مكنتها من تحقيق أهداف عدة، كان أهمها بالنسبة لدول المنطقة ظهورها كقوة تراعى السيادة الوطنية، وتسعى للحفاظ على حالة الوضع الراهن، علاوة على تزايد إهتمام بعض الدول بالسلاح الروسى (كالسعودية وقطر ومصر)، وأخيراً، الدفع بعضو حلف الناتو، وهى دولة (تركيا)، ضد مصالح الولايات المتحدة والحلف.
وفى سياق مواز، فإن الإنفتاح على الصين كان دافعه – فضلاً عن الإشارات الأمريكية المضطربة- مبادئ (عدم التدخل) وإمتثال (الحياد)، كأسس يتبناها الجانب الصينى فى سياسته الخارجية. فالصين لم تتخذ موقفاً متحيزاً فى التنافس الإقليمى بين (السعودية وإيران)، كما أنها لم تحد عن موقف الحياد تجاه المعضلة الفلسطينية-الإسرائيلية، وفى المقابل، فإن مبادرتها المعروفة بـ (الحزام والطريق) ترغب دول الإقليم فى إقامة الشراكات مع الصين، والدخول فى حيز النطاقات المستفيدة من مكاسب هذا التمدد الإقتصادى.
وقبل الإنتقال إلى الإتجاه الآخر فى هذه المعادلة، نشير إلى تزايد القلق الأمريكى من تغلغل القوة الإقتصادية الصينية فى الإقليم، لاسيما مع الحلفاء والشركاء المعتادين. وستناقش الباحثة المصرية عدداً من المحاور التالية:
– أولاً: تحليل القلق الأمريكى من علاقات الصين الشاملة بالشرق الأوسط خارج نطاق التجارة
إن تعميق علاقات الصين مع دول الشرق الأوسط خارج نطاق التجارة لابد وأن يقلق الولايات المتحدة، خاصةً وأن إدارة الرئيس الأمريكى (جو بايدن) إتخذت مؤخراً خطوات لتقليل الإهتمام بالمنطقة، وبالتالى فتح الباب أمام الهيمنة الصينية. وقال مسؤول كبير سابق فى الأمن القومى ومستشار مقرب من “بايدن” لصحيفة بوليتيكو الأمريكية، بأنه: “إذا كنت ستصنف المناطق التى يعتبرها “جو بايدن” أولوية له، فإن الشرق الأوسط ليس ضمن المراكز الثلاثة الأولى”، وأضاف: “إن مناطق أولويات بايدن الآن هى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ثم أوروبا، ثم نصف الكرة الغربى، وهذا يعكس إجماعاً بين الحزبين على أن القضايا التى تتطلب الإهتمام الأمريكى قد تغيرت مع عودة المنافسة بين القوى العظمى، وهما (الصين وروسيا)”.
ومع تنافس الصين على المزيد من النفوذ الدولى لتصبح أكبر قوة فى العالم بحلول عام ٢٠٤٩، عسكرياً وإقتصادياً وتكنولوجياً وسياسياً، فمن المرجح أن يصبح الشرق الأوسط حاسماً، سواء أعطته الولايات المتحدة الأولوية أم لا؟
– ثانياً: تأثير علاقة إسرائيل مع الصين على مستقبل التواجد والنفوذ الأمريكى فى الشرق الأوسط
تستعرض الباحثة المصرية هنا بلمحة سريعة، رد الفعل الأمريكى تجاه (علاقة إسرائيل مع الصين)، فإسرائيل التى تعول على القوة الأمريكية فى ضمان وجودها وأمنها، تنامت شراكتها الإقتصادية مع الصين من خطط بناء محطة تحلية، بالإضافة إلى مشاريع التواجد الصينى فى (ميناء حيفا) الإسرائيلى، الذى يمثل مرفأً دورياً للأسطول البحرى الأمريكى السادس، وصولاً إلى إتفاقيات مستقبلية للإستفادة من تقنية (شبكات الجيل الخامس) 5G الصينية.
– ثالثاً: تأثير الإتفاقية الإستراتيجية الإيرانية – الصينية لمدة (ربع قرن) على تغيير قواعد اللعبة فى الشرق الأوسط على حساب الولايات المتحدة
إن توقيع الإتفاقية الإستراتيجية بين الصين وإيران، من المتوقع معه أن يعزز من نفوذ إيران فى مفاوضاتها مع (إدارة بايدن) بشأن إستعادة مفاوضات الإتفاق النووى الإيرانى، ومن المرجح أن توفر الإتفاقية على المدى الطويل لإيران فرصة للإفلات من قبضة العقوبات الإقتصادية والإستراتيجية التى خنقت إقتصادها وأدت لتحجيم نفوذها السياسى فى أنحاء الشرق الأوسط، فى الوقت الذى تتمسك فيه الصين أيضاً بعلاقاتها الجيدة مع دول الخليج المتنافسة مع إيران، والدليل على ذلك هو زيارة وزير الخارجية الصينى (وانغ يى) إلى المملكة العربية السعودية وتركيا وإيران والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان والبحرين، تزامناً مع توقيع الإتفاق مع إيران.
وترغب الصين من وراء إبرام تلك الإتفاقية مع إيران فى تعزيز نفوذها فى الجيوب العميقة بالشرق الأوسط، كما أن الإتفاق الصينى مع إيران، يستهدف تعزيز طموحات بكين الإقليمية والعالمية كقوة رائدة، ويقوض جهود واشنطن فى الوقت ذاته لإبقاء إيران معزولة، نتيجة لدعم بكين بشكل أفضل للجانب الإيرانى قبل أى مفاوضات نووية م