حمدي رزق يكتب… ضَلَّ قومٌ بعدَ هُدًى
صلى الله عليه وسلم قال: «ما ضَلَّ قومٌ بعدَ هُدًى كانوا عليهِ إلَّا أوتوا الجدَلَ، ثمَّ تلا رسولُ اللَّهِ هذهِ الآيةَ: (مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ)». (الزخرف: ٥٨).
والمعنى الجدال المؤدى إلى مراء ووقوع فى شك، جدال لا يرجع إلى علم، ولا يُقضى فيه بضرس قاطع، وليس فيه اتباع للبرهان، بل يخبط خبط عشواء غير فارق بين حقٍّ وباطل.
السقوط فى فخ الجدل يضل الطريق، جدل الحجاب مثل خبط عشوائى على الأبواب.
اللباس حرية شخصية وتُحترم، من تلبس بادى هى حرة وتُحترم، ومن تلبس حجاب هى حرة وتُحترم، ومن تلبس نقاب هى حرة وتُحترم، هل نتعلم احترام حرية الآخرين؟.. من يحاسب العباد هو الله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له، التألى على الله حكمه حرام وعقابه عذاب.
الجدل حول الحجاب يحرفنا عن قضايا أخطر، تخيل زدنا ربع مليون نسمة فى ٥٩ يومًا، كارثة، قنبلة زمنية موقوتة، والهرى شغال، لايزال مُنصبًا على الحجاب، والشيخ فلان قال، والشيخ علان قال، وهكذا دواليك، أسطوانة مشروخة تُطرب من أصابه صمم، كضجيج بلا طحن.
صداع مجتمعى رهيب، عندما يصاب المجتمع بالصداع النصفى لا يرى موضع قدميه جيدًا.. ويضل الطريق إلى مقاصده الوطنية، بمعنى الضروريات الوطنية، الوطن ممتحن بقضايا وجودية.. ونحن نتلهى عن المتون بهوامش.. نهش الهاموش ونترك الضوارى تنهش فى لحم الوطن.
هنا مستوجب حديث الأولويات، الحجاب ليس أولوية مجتمعية، التعليم والصحة ومعايش الطيبين أولويات، لماذا إهدار الطاقات المجتمعية فيما ليس وراءه طائل؟
لن تخلع النساء الحجاب إلا نادرًا، وللأسف يُعاقبن مجتمعيًا بالزجر والتنمر، ولن تتحجب فتاة إلا إذا كانت راغبة فيه، التزامًا بنزوع دينى، أو مضطرة إليه، بعض الشباب يفضلها عند الزواج محجبة، إذن تعددت الأسباب المجتمعية والدينية والحجاب صار ملونًا.
ما ضركم؟ عندما تتحدثون عن الحرية الشخصية مصونة وتخشون المساس بها، إذن مستوجب احترام حريات الآخرين، كيف تنادى بالحرية وتضنُّ بها على غيرك، كيف ترفض المساس بالحريات وتغمز وتلمز فى حق ارتداء أو خلع الحجاب، وتجتهد فى بيان كونه ليس فرضًا ولا سنة، وغيرك يجتهد فى اعتباره من كمال الإيمان؟ وتصير معركة لا طائل منها سوى تعويق المجتمع عن إدراك أولوياته، خلينا متعثرين فى ذيل الجلباب.
لست عليهم بمسيطر، ومن ولاك أنت وهو وهى عليهن، تتحجب تتنقب تلبس بادى.. هى حرة، «أنا حرة»، عنوان فيلم هادف، فقط منكور الإكراه على الحجاب، مرفوض قانونًا، وهنا بيت القصيد.. والقصد مناهضة فرض الحجاب بالإكراه.
صحيح هناك ما يمكن وصفه جوازيًا تحبيذ الحجاب على ما سواه بروايات دينية عليها خلاف بين الفقهاء، ولكن إهدار حق المرأة فى الاختيار الحر، وحريتها الشخصية فى ارتداء ما شاء لها من الثياب، لا يمت للحرية الشخصية بصلة، مثلها مثل حملة الكراهية المستعرة ضد غير المحجبات، بغية إذعان باستخدام مفرط لمنطوق الحلال والحرام، وتحت قصف دينى مباشر لعقول النساء، كلاهما منطق مرفوض، ويحمل وصاية دينية ومجتمعية، دون اعتبار للحرية الشخصية، أخشى أنه منطق أعوج.