عاجلمقالات

حمدي رزق يكتب: فَرج فودة الشَّهِيد الحَى

حمدي رزق يكتب: فَرج فودة الشَّهِيد الحَى

حمدي رزق يكتب: فَرج فودة الشَّهِيد الحَى
حمدي رزق

فرج فودة كاتب ومفكر مصرى، وُلد فى ٢٠ أغسطس ١٩٤٥ بمدينة «الزرقا» بمحافظة دمياط فى مصر.

حاصل على ماجستير العلوم الزراعية ودكتوراه الفلسفة فى الاقتصاد الزراعى من جامعة عين شمس، ولديه ولدان وابنتان، تم اغتياله على يد الجماعة الإرهابية فى ٨ يونيو ١٩٩٢ فى القاهرة.

لماذا فرج فودة حى يعيش بيننا؟

ليس لأن طيور الظلام اغتالته بدم بارد فى مستهل عملياتها الإرهابية التى روعت عقد التسعينيات ولاتزال تروعنا بأفكارها الظلامية، ولكن لأن أفكاره حية نافذة تسعى بين الناس، لم تدفن وتطمر برحيله، بل أنبتت زهورًا فكرية يانعة ترعاها عقول تستبطن نورًا..

فرج فودة لم يكن مفكرًا فحسب، بل مناضلًا، الأفكار إذا لم تقاتل من أجلها ستستقر فى قرار مكين فى كتب على الأرفف كتذكارات الأولين نعود إليها كل حين حنينًا، ولكن الأفكار التى ترتوى بدماء صاحبها، يُكتب لها الحياة، لأن روحه تسكن سطورها، تمدها بأسباب البقاء، وتحولها إلى طاقة متجددة، وتجتذب إليها أطيافًا كالفراشات منجذبة نحو الضياء، تستمد منه قوة تعينها على التفكير فى مواجهة موجات التكفير التى تحاصرنا.

وذكر ذكرى استشهاد فرج فودة الـ٢٩، والتى تزورنا عزيزة مقدرة هذه الأيام، على وقتها تمامًا، وأفكار التجديد والتنوير وتثوير الفكر الدينى تشق طريقها منيرة بين دَياجير الظلام التى هيمنت طويلًا واستعمرت العقل المصرى فحرفته عن جادة الطريق، وأحالت حياتنا لظلام دامس، لا ينمو فى الظلام سوى الفطريات السامة، أقصد أفكار الجماعات الإرهابية التى تتمنطق بالأحزمة الناسفة للعقول.

فرج فودة فكرة لا تموت، وكلما أمعنوا فى دفنها عميقًا فى الأرض الميتة، الأرض البور، رَبَت، وأينعت، عبق زهورها يضمخ الهواء بعطر التنوير.

لماذا يتذكرونه وقد مات قبل ٢٩ عامًا؟

لأنه لم يمنّ بنضاله على أحد، ولم يطلب لقاء أفكاره من أحد، ولم يحتمِ من طيور الظلام وراء أحد، بل خرج فارسًا إلى ساحات الوغى الفكرى فاتحًا صدره، منافحًا عن فكره، واستشهد متمتمًا بكلمات نافذة، لم يُخرسها صوت الرصاص مصوبًا نحو قلبه.

لا يتذكر فرج فودة، وهو جدير بالذكرى، إلا ثلة من المحبين، أسس مدرسة تخرج فيها مفكرون مخلصون، ومشتغلون بالفكر، حادبون على التفكير والرفض والمقاومة، وهؤلاء لايزالون قابضين على الجمر، وتمقته وتخشى أفكاره عصبة جاهلة تحت راية عمية قتلته ولاتزال تحارب أفكاره، وكأنها تحارب معركتها الأخيرة.

فرج فودة وإن قُتل غيلة، لم يُهزم بل كُتبَ لروحه الانتصار بالأفكار، وتهاوت عروش قتلته وصاروا شيعًا متحاربة، وكُتب عليهم الشتات فى الأرض.

معركة فرج فودة لم تنته بعد، فصلها الأخير أو لنقل حربها الختامية ضروس، وتستوجب مواصلة النضال.

ليته عاش حتى يرى آخر معاقل التطرف تتهاوى فى صَحْراواتها الجرداء، محاصرة فى شِعْب ضيق يكاد يخنقهم، يتلونون كالحَرَابِيّ (جمع حِرْباء)، وهؤلاء مصنفون من الفصيلة الحربائية، من الزواحف، على شكل سامٍّ أَبرصَ، تستقبل الشمسَ وتدور معها كيف دارَت، وتتلوّن أَلوانًا.

 

زر الذهاب إلى الأعلى