حمدي رزق يكتب: هل كفَّرَت المحكمة الدكتورة منى؟!
كفَّرَ عن، يكفِّر، تكفيرًا، فهو مُكفِّر.. هل كفَّرَت المحكمة الدكتورة «منى برنس» ونالت من حرية المعتقد وما تعتقد؟!
مستوجب قراءة معمقة لحيثيات حكم المحكمة الإدارية العليا (دائرة الفحص) برئاسة المستشار الدكتور «محمد عبدالوهاب خفاجى» نائب رئيس مجلس الدولة.. وبإجماع الآراء، برفض طعن «د. منى برنس» مدرس اللغة الإنجليزية بكلية التربية جامعة السويس، وتأييد قرار مجلس تأديب الجامعة بعزلها.
وثانى الأسباب، خلاف سبب الرقص فوق السطوح، ومن الحيثيات، لأنها درّست للطلاب «أن إبليس تعرّض للظلم، وأنه الشخصية الأفضل لأنه عبّر عن إرادته بحرية دون أن ينساق للأوامر كما فعل القطيع.. وأن الآخرة محل نقاش».
وسأقف على النقطة المفصلية فى هذا السياق، هل ناقضت المحكمة فى حكمها بتأييد العزل مبدأ «حرية الاعتقاد» المكفولة شرعًا وقانونًا؟!
وبمعنى أوضح، هل كفَّرَت المحكمة الدكتورة منى أو سعت لتكفيرها، أو أوعزت لفظًا وأرادت المعنى، وهذا قول شائع وذائع فى بعض التعليقات الغاضبة من الحكم الذى لف الكرة الأرضية؟!.
من الحيثيات، تحسبت المحكمة لهذا المنزلق الخطير، وحرص القاضى المستشار «خفاجى» على عدم المساس بحرية المعتقد، وألا يحاسب الدكتورة على معتقدها، مؤمنًا بحرية الاعتقاد، ولم يناقشها فيما ذهبت إليه، وقالت المحكمة نصًا: «حرية الاعتقاد مكفولة طالما ظلت حبيسة فى النفس دون الجهر بما يخالف الأديان السماوية على الملأ وتلقينها للطلاب على خلاف ثوابت الدين والعقيدة».
ومقصود «حبيسة» هنا، كما فهمت من الحيثيات، «حبيسة» عن مخالفة الأديان السماوية وتُلقيها على الطلاب لخطورة تأثيرها فى النشء، بمعنى حرية الاعتقاد «حبيسة» عن وصف الملائكة بالقطيع، «حبيسة» عن وصف الله بالظالم، «حبيسة» عن وصف إبليس بأنه مظلوم.
إذن حكم المحكمة بتأييد العزل وقفًا على تدريس ما تعتقده الدكتورة منى للطلاب وليس على ما تستبطنه إعمالًا لقاعدة «أنت حرّ ما لم تضُرّ»، والمعنى «اصنع ما شئت مادمت لا تتجاوز حدود اللِّياقة».
القاضى «خفاجى» فى حيثياته يقول نصًا: «الحرية الأكاديمية لا تعنى الجهر بإنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة والطعن فى ذات اللَّه جَلَّ وَعَلا مع مخلوقاته، وبث الشك فى نفوس الطلاب بالحياة الآخرة وتعظيم شأن الشيطان بالمخالفة لتعاليم الأديان تحت ستار نصوص مقارنة».
مجددًا.. هل صادرت المحكمة حرية الاعتقاد؟ قال القاضى: «يجب ممارسة الحرية فى إطار التوازن بين حقوق الأفراد وحقوق المجتمع وحقوق الدولة، لضمان ممارسة الحرية فى إطارها الصحيح، فهى تتقيد بالنظام العام، أى بمجموع المصالح الأساسية للمجتمع أو مجموعة المصالح العليا المشتركة للمجتمع فى زمان معين يتفق الجميع على ضرورة سلامتها».
وأضاف: «وتتقيد ثانيًا بحماية الآداب العامة والقيم والمبادئ الأخلاقية التى تواتر الناس فى مجتمعنا على احترامها والالتزام بها. وتتقيد ثالثًا باحترام حقوق الأفراد وحرياتهم لأنه لا يمكن أن ننظر إلى حقوق الفرد وحرياته فى عزلة عن الآخرين».
ومن نافلة القول (ومن عندياتنا)، وبعيدًا عن الحيثيات.. هل مثل هذه القضايا العقيدية تُناقش هكذا بـ«خِفّة» فى أوساط طلابية دون تحوط من شطط تفرضه طبيعة المرحلة الجامعية المشبوبة فكريًا؟!.
والخلاصة: أن الحكم عنوان الحقيقة، وليس من المصلحة أن تُنصّب من نفسك قاضيًا وليس أمامك شىء من أوراق القضية!.