د. الخشت و ثروت الخرباوي بمحاضرة مشتركة حول الدولة الوطنية والخطاب الديني الجديد
كتب: طه لمعي
شهدت قاعة الاحتفالات الكبرى بجامعة القاهرة، محاضرة مشتركة عن “الدولة الوطنية وتجديد الخطاب الديني” للدكتور محمد عثمان الخشت رئيس جامعة القاهرة، والأستاذ ثروت الخرباوي المفكر الإسلامي، في إطار مشروع جامعة القاهرة لتأسيس خطاب ديني جديد، وبحضور نواب رئيس الجامعة وعمداء الكليات والأساتذة والطلاب.
وفي بداية المحاضرة، قال الدكتور محمد عثمان الخشت رئيس جامعة القاهرة، إن مفهوم الدولة الوطنية ليس بمعزل عن ضرورة تأسيس خطاب ديني جديد، مؤكدًا أن تأسيس خطاب ديني جديد لا يعني إنشاء دين جديد بل العودة إلى المنابع الأصلية، وهي القرآن الكريم والسنة النبوية المتواترة ، وأن الخطاب الديني هو ما يفهمه الناس ويكتبونه أو يقولونه أو يتصرفون طبقا له، وهو طريقة فهمنا للدين وتعبيرنا عنه شفاهية أو كتابة أو فعلا.
وأوضح رئيس جامعة القاهرة، أنه لابد من نقد الخطاب الديني التقليدي، وتأسيس خطاب ديني جديد للقضاء على الطرق الخاطئة لتكوين الأحكام التي يتبعها الخطاب الديني التقليدي، لافتًا إلى ضرورة البحث عن طرق التفكير النقدية والوصول بطرق برهانية من المقدمات إلى النتائج، والتفرقة بين طرق التفكير القائمة على الحفظ والتلقين وغيرها من طرق التفكير القائمة على استخدام العقل النقدي المنضبط.
وبين الدكتور الخشت، العلاقة الوطيدة بين تأسيس خطاب ديني جديد وبين مفهوم الدولة الوطنية، لأن الدولة الوطنية تقوم على 3 محاور وهي مواجهة الإرهاب، والتنمية الشاملة، وتصويب الخطاب الديني، لافتًا إلى أن الإصلاح الديني شرط للانتقال إلى دولة قوية ذات مفهوم تنموي شامل وتغيير منظومة القيم والتنمية الاقتصادية.
واستشهد الدكتور الخشت بقصة ذي القرنين مع قومه، قائلًا إن قصة ذي القرنين تقدم قوانين مهمة في الحكم، أولها “أعينوني بقوة” وهو أنه مهما كانت قدرة القيادة على التخطيط عالية لن تنجح بدون الناس وأنه لابد أن تتحرك الجماهير مع قيادتها يدا بيد للعمل والإنتاج وتنفيذ المشروعات القومية بصدق وإخلاص ومثابرة.
وتابع الدكتور الخشت، أن مصر كانت معرضة للضياع من الإرهاب الذي كان يرغب في تقسيم مصر إلى دويلات صغيرة في سيناء والشمال والجنوب، مؤكدًا أن الإرهاب يمثل أحد أدوات الاستعمار العالمي والقوى الكبرى التي تعتمد على استراتيجية فرق تسد، وتستخدم الإرهاب لتمزيق الدول، لافتًا إلى أن الذي يرفض فكرة الوطن يبرر الخيانة لصالح دولة أخرى، ويدمر فكرة الوطنية ويخلخلها. ومؤكدا ان الدول الوطنية بمصر منعت حدوث حرب أهلية و قد واجهت الارهاب و تصدت له .وأضاف الدكتور الخشت ، لم تنجح مصر فى مواجهة الارهاب بالسلاح فقط ولكن استطاعت أن تتصدى للإرهاب من خلال المحاولات المستمرة لتصويب الخطاب الدينى وعملية التنمية الشاملة.
وأكد الدكتور الخشت، أن الدولة الوطنية تحمي الشعب، وأن تأسيس دولة قوية وتنمية شاملة لا يمكن أن يتم بدون خطاب ديني جديد يضرب الإرهاب، وينبع من قوانين القرآن والسنة المتواترة ، والأخذ بأسباب التنمية الاقتصادية والاجتماعية والزراعية والصناعية، موضحًا أن الدولة تتمثل في الشعب والإقليم والحكومة والسلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية والجيش والشرطة وسائر العناصر . وكشف الدكتور محمد الخشت، عن تطور مفهوم الدولة، موضحاً أنها مرت بمراحل العائلة والعشيرة والقبيلة، والمملكة والإمبراطورية، والخلافة، والدولة القومية، والدولة الوطنية.
وتابع الدكتور الخشت، أن الدولة الوطنية تقوم على فكرة التخطيط الاستراتيجي ومشاركته مع جميع الأطراف، كما تقوم على ضرورة تحقيق العدالة التي تعد اساس الدولة، مؤكدًا ضرورة التصدي للإرهاب بشكل حاسم، وحماية الناس من خطورته، بالإضافة إلى ضرورة توافر الرغبة والإرادة والخروج من حالة الخمول والضياع لتكوين دولة قوية.
وأكد الدكتور الخشت، أن الخطاب الديني التقليدي متعصب ومنغلق وله طريق واحد، وفى المقابل فإن الخطاب الديني الجديد له طرق سليمة متعددة، مشيرًا إلى أن فكرة احتكار الحقيقة المطلقة مخالفة للنص القرآني الذي يتحدث عن سبل وطرق متعددة للوصول إلى الحقيقة.
كما أكد الدكتور الخشت، أننا نختلف في فهمنا وتعبيرنا لأن كل منا مرآة تعكس بطريقتها فهمنا للدين، وكل منا يعكس فهمه للدين من زاويته البشرية التي ينظر بها، مشيرًا إلى أن أي عالم دين هو بشر متعلم إلى حد معين ويفكر بطريقة معينة ويوجد في نطاق ظروف نفسية واجتماعية واقتصادية وثقافية معينة.
وأضاف الدكتور الخشت، أن منطق الخطاب الديني يتعرض للاختلاف أو الاتفاق أو التجديد في طريقة فهم الدين، ويخضع لضوابط علمية وضعها بشر مثل العلوم الاجتماعية والانسانية ومنها علوم الدين، مؤكدًا وجود اختلافات في طريقة تفسير القرآن وفقا لهذه العوامل.
ولفت الدكتور الخشت، إلى أن الحديث عن عصر ديني جديد يتم فيه العودة إلى القرآن والسنة النبوية المتواترة، موضحا أنه في كتابه “تأسيس عصر ديني جديد” تحدث عن الإسلام المنسي الأصلي المتمثل في القرآن والسنة المتواترة وضرورة العودة إليهما، مؤكدًا أن الغرض من تأسيس خطاب ديني جديد هو إصلاح أحوال الناس من خلال الدولة الوطنية، موضحًا أهمية العلاقة بين تصويب الخطاب الديني والدولة الوطنية .
ومن جانبه، قال الأستاذ ثروت الخرباوي المفكر الإسلامي، إن بداية إنشاء جامعة القاهرة كان يعد إعلانا رسميا لقيام الدولة الوطنية المصرية وبداية الشكل الرسمي لهذه الدولة التي كانت على وشك أن تصبح دولة مستقلة ذات سيادة بعد مدة طويلة من الاحتلال العثماني، مؤكدًا أن جامعة القاهرة المدنية هي التي أخرجت علم وفلسفة وثقافة ومثلت إرهاصات لثورة 1919 التي وقف فيها المصريون ضد الاحتلال الانجليزي، وأثبت المصريون فيها أنهم يريدون إقامة دولة وطنية على النسق الحديث ذات سيادة ولها شرطة وقضاء وجيش لا يتبع أحد، مع تطبيق مفهوم الوطن بشكل صحيح.
وأشاد الأستاذ ثروت الخرباوي، بالدكتور محمد عثمان الخشت رئيس جامعة القاهرة وجهوده في وضع نظرية “تطوير العقل الديني” بالتركيز على العقل النقدي، من منطلق أن الدين هو النبع الصافي الذي أنزله الله لنا وهو واحد، ولكن فهم الناس له يتعدد ويختلف، قائلا إن الخطاب الديني مرتبط بالحضارة الإنسانية وتطويرها، موضحًا ضرورة تدريس كتاب نحو تأسيس عصر ديني جديد للدكتور الخشت في المدارس المصرية لتحقيق طفرة في تطوير الخطاب الديني.
وأوضح الخرباوي، أن آراء الناس وفهمهم يختلف وفق ثقافتهم وفكرهم، وأن الاجتهاد في فهم الدين يرتبط بالزمن والمنطقة التي نعيش فيها، بالإضافة إلى الارتباط بالعلم والأسلوب والثقافة، وبالتالي فإنه يمكن فهم القرآن في كل زمن على نحو مختلف مؤكدًا أن الإنسان يُعرف من خلال التفكير، وأن الجهاد في الإسلام يتمثل في الدفاع عن النفس.
كما أوضح الأستاذ ثروت الخرباوي، أننا قد نخلط بين عاطفة الانتماء والايمان، لافتا إلى أن الارتباط بالدين إيمان والارتباط بالوطن انتماء، وأن الفرد عندما يؤمن بعقيدة أو دين فإنه يؤمن بالدين الذي يرى أنه الأنقى والأفضل والأصح، حيث لا يتم الإيمان بدين فقير في المعاني، وبالتالي فإن الإيمان لا يكون إلا بالعقل وبالتالي نرى ضرورة العلم، ولكن الانتماء يتمثل في إمكانية الانتماء لبلد لا تمتلك أي مشهد جمالي، مؤكدًا أن المصريون فخورون بأن بلدهم لها حضارة أنتجتها وعلمتها للعالم، وأن العالم يكون آمن من خلال إنتاج العلم والمعرفة، مؤكدًا ضرورة إعمال العقل والتفكير.
وعقب المحاضرة تم فتح باب الأسئلة أمام الطلاب لطرح أسئلتهم عن موضوع الندوة، وبما يعزز لغة الحوار مع الشباب من خلال تفاعلهم مع المحاضرين بهدف تكوين جيل واع بتحديات العصر. وقد تفاعل الطلاب تفاعلا كبيرا من خلال الأسئلة والمناقشات خلال الندوة وبعدها.
وأهدى الدكتور محمد الخشت درع جامعة القاهرة للأستاذ ثروت الخرباوي على مشاركته في توعية الشباب وإثراء أفكارهم بخبراته وتجاربه.
وفي نهاية اللقاء تم توزيع مجموعة متنوعة من الكتب الثقافية والفكرية والإصدارات الإعلامية الوطنية المتعددة على الطلاب من أجل توسيع دائرة الاطلاع أمامهم ومساعدتهم للانفتاح على الآراء المختلفة، ونشر ثقافة القراءة داخل المجتمع الجامعي.