مقالات

د. محمد كامل الباز يكتب: اللقاء المصيرى

د. محمد كامل الباز يكتب: اللقاء المصيرى

د. محمد كامل الباز يكتب: اللقاء المصيرى
ارشيفية

ليس لقاء فى كورة القدم حيث بتنا نسمع تلك المسميات على مباريات لا تغنى ولا تسمن من جوع، ليس لقاء بين زعماء العالم وأعضاء دول الثمانية الكبرى، بل هو أهم وأجل من هذا، لقاء تم من خلاله تغيير خريطة العالم كله، لقاء بُنى عليه عالم جديد، تشكلت توازنات وصراعات، لقاء تم من خلاله كتابة شهادة ميلاد لدولة جديدة استطاعت منذ قرون كتابة إسمها بحروف من دهب فى تاريخ الأمم، نعم هو بيعة العقبة الثانية، درسنا تلك البيعة مجرد دراسة ونحن فى المراحل الأولى من الدراسة ولكن هل فهمنا ماحدث فى تلك البيعة الحاسمة وذلك اللقاء المرتقب.

منذ اشتداد إيذاء قريش للنبى صلى الله عليه وسلم وفكرة الهجرة عند المصطفى، الذهاب لأرض جديدة لنشر بذرة التوحيد، الحفاظ على الدعوة وأهلها والانتقال لمكان أفضل يستوعب مبادىء الإسلام .

بعث الرسول صلى الله عليه وسلم فى البداية بمصعب بن عمير، أسلم عدد ليس قليل من يثرب بعدما عرفوا عن الإسلام من خلال سفراء الدعوة وبايعوا النبى صلى الله عليه بيعة العقبة الأولى التى كانت فقط فى الدخول فى الدين والالتزام بالعبادات، لكن هل هذا هو الدين فقط، هل كى تنتسب للإسلام كل ما عليك هو الدخول فيه والاعتراف به فقط، لا بالطبع كان هناك ماهو أدق وأوضح؛ بعد اشتداد الإيذاء من قريش جاء وفد الحجيج من يثرب معهم بضع وسبعون قد أسلموا لكى يتواصلوا مع حبيب الله ويؤكدوا له استعدادهم لاحتضانه بعد أن ضيقت عليه قريش سبل العيش، لم يكن لقاء العقبة الثانى مثل الأول، كان لقاء مصيريا بما تحمله الكلمة من معنى، كان يستلزم إحاطة هذا الاجتماع بالسرية التامة بعيد عن أعين المشركين سواء فى مكة أو المدينة، مشركى مكة كانوا يقطعون الطريق على محمد صلى الله عليه وسلم كى لا يجتمع مع أى وفود وقت الحج وينشر دعوته، لذا كان اللقاء سريا من الدرجة الأولى، فى جنح الظلام وأثناء ايام التشريق فى الثلث الأول من الليل بالتحديد قابل للرسول صلى الله عليه وسلم وفد يثرب عند شِعب العقبة، شهد هذا الشِعب تلك المبايعة، لم تكن وعود بمناصب أو أموال، لم يعشم الرسول أهل المدينة بسعة من المال والرزق لكن أوضح لهم بنود المبايعة، نعم الرسول فى موقف استضعاف ويملى شروطه، محمد بن عبد الله يطلب منهم الطاعة فى النشاط والكسل،

يطابلهم فى البيعة بالانفاق فى اليسر وأيضا فى العسر!

يؤكد لهم أن الإسلام يفرض عليكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ليس كل فرد حر يفعل ما يحلو له، يعاهدهم على كلمة الحق والجهاد معه دون النظر لأى معاهدات أو توازنات، أخيراً نصرته وتقديم محبته على النفس والزوج والولد أيضاً!

شىء عجيب وغريب بكل المقاييس، عادة فى فن المفاوضات لا يمكن لطرف أن يكسب أرضا فى المفاوضات إلا أن يكون قد كسبها فى الواقع أولا، كيف لمطارد ومضطهد أن يملى شروطه على من يستضيفه، بل أيضاً يخيره أن الموضوع ليس سهلا ولن تكون نزهة، اوضح ذلك عمه العباس وأسعد بن زرارة والهيثم بن تيهان، وضحوا لمن يأتي من يثرب أن البيعة لها ضريبة ليست سهلة فمن الممكن أن يحاربوا العالم كله من أجل الرجل، من الممكن أن يخسروا تحالفتهم ويفقدوا سيطرتهم من أجل احتضان تلك الدعوة، لكن هل خاف القوم وجبنوا؟ لا والله مدوا أيديهم وبايعوا المصطفى ولذا سموا بالانصار، كان لقاء من الأهمية بكثرة، من الفائدة فحدث ولا حرج، شاء الله أن يلتقى محمد صلى الله عليه وسلم مع الانصار بعد ثلاثة عشر عاماً من البعثة فى ذلك الشعب وقادة العالم فى غفلة، أين قيصر وكسرى، ماذا كان يفعل أبو جهل وامية، غفل قادة خيبر عن ذلك الاجتماع، الذى كان بمثابة البذرة الاولى لدولة المدينة، دولة اسس لها المصطفى وبنى قواعدها فى شِعب العقبة، دولة مهد لها الحبيب وأرثى مبادئها مع الانصار، اتفق على كل شىء ولم يترك شىء للصدفة أو الظروف، كان هذا اللقاء بمثابة المسمار الذى دُق فى نعش هؤلاء الجبابرة وكان رصاصة الرحمة التى بدأت تطلق لتعلن عن قيام دولة العدل والحق التى ستدافع عن العالم ضد الظلم الرق.

 

نهى مرسي

نائب رئيس تحرير الموقع
زر الذهاب إلى الأعلى