مقالات

التكافل الاجتماعي في ظل جائحة كورونا

التكافل الاجتماعي في ظل جائحة كورونا 

التكافل الاجتماعي في ظل جائحة كورونا
دكتور محمد عبد ربه

بقلم: د. محمد عبد ربه

تعريف التكافل الاجتماعي:

هو التزام أفراد المجتمع وتضامنهم لإعانة المحتاجين ومساعدة المضطرين.
ويعد مبدأ التكافل الاجتماعي من أهم التشريعات. التي تفرد بها الإسلام الحنيف عن سائر نظم التكافل الاجتماعي التي تسود العالم. لأن الإسلام جعله جزءًا من عقيدة المسلم لا يَكْمُل إيمانه إلا به. ولذلك ربطه ربنا بذاته فقال:” وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ “(البقرة 272)؛ وذلك حتي يدفع المسلم الي المبادرة بكفالة الفقراء والمحتاجين. لأنه يستشعر أنه يفعل ذلك إرضاء لله وابتغاء وجهه .

وفلسفة التكافل في الاسلام تنطلق من مبدأ أن الإنسان في التصور الإسلامي مكرم من منطلق أنه إنسان بغض النظر عن دينه أو جنسه أو لونه. قال تعالي: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ }(الإسراء 70).

وأعلي درجات التكريم أن يحيا الإنسان في مجتمعه حياة كريمة تليق بآدميته وتتسق مع كرامته. فلا يجوز في رأي الإسلام أن يبقي بعض أفراده يعانون الجوع ويقهرهم الحرمان. وتذله الحاجة بينما يعيش غيره في رغد ونعيم.

ولذلك قال النبي(صلى الله عليه وسلم)« تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِى تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى»(أخرجه البخاري ح ر6011).
وأقل درجات التكريم أن يحيا حياة كريمة يجد فيها طعامه وشرابه وما يكسوا به عورته.
ومن هذا المنطلق لابد أن ينهض أثرياء المجتمع والقادرون لأداء دورهم في إقالة فقراء المجتمع. خاصة في ظل جائحة كورونا التي أدت. الى تفشي ظاهرة الفقر بصورة كبيرة نظراً لتوقف بعض المهن. والحظر الذي تفرضه الدولة حفاظاً على أرواح الناس وعدم تفشي هذا الوباء.

مبدأ التكافل

وقد طبق النبي (صلى الله عليه وسلم) مبدأ التكافل على مستوى الفرد والجماعة.
ومن نماذج التكافل الفردي ما رواه سيدنا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ قَدْ أَعْيَا فَأَرَادَ أَنْ يُسَيِّبَهُ قَالَ فَلَحِقَنِى النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- فَدَعَا لِى وَضَرَبَهُ فَسَارَ سَيْرًا لَمْ يَسِرْ مِثْلَهُ قَالَ. « بِعْنِيهِ بِوُقِيَّةٍ ». قلت لا. ثم قال”: بِعْنِيهِ, فَبِعْتُهُ بِوُقِيَّةٍ. وَاسْتَثْنَيْتُ عَلَيْهِ حُمْلاَنَهُ إِلَى أَهْلِى فَلَمَّا بَلَغْتُ أَتَيْتُهُ بِالْجَمَلِ فنقدنى ثَمَنَهُ ثُمَّ رَجَعْتُ فَأَرْسَلَ فِى أَثَرِى فَقَالَ « أترانى مَاكستك لآخذ جملك خذ جملك وَدَرَاهِمَكَ فَهُوَ لَكَ »(رواه مسلم ح ر 4182) .
فالرسول(صلى الله عليه وسلم).

أستشعر حاجة جابر للمال نظراً لفقره. فكفله النبي (صلى الله عليه وسلم) بصورة تحفظ له كرامته أمام الناس. فتظاهر بشراء الجمل ثم أعطاه جمله وماله.
ومن نماذج كفالة الجماعة ما روي عن السيدة عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: “دَفَّ –أي قدم- أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ حِضْرَةَ الأَضْحَى زَمَنَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ادَّخِرُوا ثَلاَثًا ثُمَّ تَصَدَّقُوا بِمَا بَقِىَ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ النَّاسَ يَتَّخِذُونَ الأَسْقِيَةَ مِنْ ضَحَايَاهُمْ وَيَحْمِلُونَ مِنْهَا الْوَدَكَ.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَمَا ذَاكَ ؟ قَالُوا نَهَيْتَ أَنْ تُؤْكَلَ لُحُومُ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلاَثٍ، فَقَالَ: إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ الَّتِى دَفَّتْ فَكُلُوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا»(رواة مسلم ح ر 1971).
وخلاصة هذه القصة أن جماعة من الفقراء نزلوا فجأة على رسول الله في المدينة وكان ذلك في وقت عيد الاضحي. فواجه النبي-صلى الله عليه وسلم- هذا الموقف بتشريع جديد لكفالة هؤلاء الفقراء, فأمرا المسلمين جميعاً أن يأخذوا من أضحيتهم ما يكفيهم فقط لثلاثة أيام وأن يتصدقوا ببقية الأضحية لكفالة هذا العدد الكبير الذي نزل المدينة فجأة.

الصحابة

فلما كان العام القادم مر بعض الصحابة على أناس ينتفعون الأضحية بعد ثلاثة أيام فظنوا أنهم خالفوا أمر النبي لهم في عامهم الماضي. فشكوا لرسول الله, فقال النبي (ص) لا حرج عليهم. إنما أمرتكم في العام الماضي أن تدخروا من الأضحية ما يكفيكم لثلاثة أيام فقط من أجل هؤلاء الفقراء الذين نزلوا على المدينة، أما الآن وقد زال السبب وأغنى الله هؤلاء الفقراء فانتفعوا بأضحيتكم فكلوا منها وادخروا وتصدقوا .

وبناء على ما سبق كان لزاماً على أغنياء المجتمع أن يؤدوا دورهم المنوط بهم فى إقالة الفرد والمجتمع عند النوازل والكوارث وخاصة في ظل جائحة كورونا .
وإذا تكاسل هؤلاء فيكفيهم أن يسمعوا النبي(صلى الله عليه وسلم) وهو يقول:” ليس المؤمن بالذي يشبع وجاره جائع إلي جنبه ” (رواه البخاري).
فقد نزع النبي وصف الإيمان عن المسلم الذي يبيت شبعان وجاره جائع الى جواره ولم يسأل عنه ولم يسد جوعه وأولاده .

الفقراء والمحتاجين

ولا بد أن يسارع هؤلاء بإقالة الفقراء والمحتاجين من عوزهم وفقرهم. وخاصة الطبقات التي توقفت أعمالها بسبب هذه الجائحة. لأن الإنسان وخاصة الغني لا يعيش منعزلاً عن مجتمعه، وإنما هو جزء من كل. وهذا الكل لا بد أن يكفل بعضه بعضاً. ولذلك جعل الحق سبحانه من أبرز أوصاف المؤمنين فهم يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصه.
والكفالة في المجتمع المسلم تشمل الفقير المسلم وغير المسلم. ولما تحدث القرءان عن صفات الأبرار المتقين قال عنهم:{ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً}. (سورة الإنسان ” 8-9), ولا يكون الأسير إلا من غير المسلمين.

وهذا سيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص يقول لأهله- وهو يوزع لحوم الأضاحي. أأهديتم إلى جارنا اليهودي ثلاث مرات سمعت النبي يقول. ” ما زال جبريل يوصني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه”.(رواه الترمذي).

وخلاصة ما سبق: أن مبدأ التكافل يلزم القادرين في المجتمع. بضرورة النهوض بدورهم. لإقالة الطبقات الفقيرة وإغنائهم من ذل العوز والفقر؛ لنضمن لهم حياة كريمة. وخاصة فى ظل جائحة كورونا.

زر الذهاب إلى الأعلى