سميحة أيوب… كواليس من ذهب خلف الستار

كتبت / مايسة عبد الحميد
ليست كل الحكايات تُروى على الخشبة، فكثيرٌ من المجد يُكتب خلف الستار، حيث الدموع، والضحك، والانفعالات الحقيقية التي لا تراها الكاميرات. وفي كواليس المسرح والتلفزيون، كانت سميحة أيوب ملكة بلا منازع، تقود بحزم، وتحتوي برقيّ، وتُخرج من زملائها أفضل ما فيهم. لم تكن فقط بطلة على الورق، بل كانت عمودًا يحمل العرض بأكمله.
“سكة السلامة”… المعركة الصامتة
من بين أكثر العروض شهرة، تأتي مسرحية “سكة السلامة” التي كتبها سعد الدين وهبة. ما لا يعرفه كثيرون أن البروفات شهدت توترًا شديدًا بين أحد الممثلين الشباب والمخرج، وكان الجميع يخشى أن ينسحب. لكن سميحة، وبذكاءها الفطري، أخذت ذلك الممثل جانبًا وقالت له:
“لو مشيت، هتخسر فرصة عمرك… وأنا وراك، إوعى تخاف.”
استمر العرض، وحقق نجاحًا مدويًا، وخرج الممثل نفسه ليقول في لقاء تلفزيوني بعد سنوات:
“لو سميحة أيوب ما كانتش موجودة، أنا ماكنتش كملت.”
“بداية ونهاية”… الصراع مع الكاميرا
في فيلم “بداية ونهاية” (عن رواية نجيب محفوظ)، لم تكن الكاميرا صديقة سميحة أيوب في البداية. كانت معتادة على المسرح، حيث التعبير واسع والانفعال متفجر. لكن المخرج صلاح أبو سيف كان يريد أداءًا “مضغوطًا” يناسب الشاشة.
وفي أحد المشاهد، أوقفت التصوير وقالت:
“أنا مش مرتاحة… ده مش تمثيل، ده خنقة!”
فقال لها أبو سيف بابتسامة:
“الخنقة دي اللي عايزها بالضبط!”
أعادت المشهد، وبأداء مكثّف من نظراتها فقط، سجّلت واحدًا من أقوى مشاهد الفيلم، وأصبحت مصدر إلهام لجيل كامل من الممثلات.
“الضوء الشارد”… أم وراء الكواليس
في كواليس مسلسل “الضوء الشارد”، لم تكن سميحة مجرد فنانة تؤدي دورًا. كانت أمًا للجميع. كانت أول من يصل لموقع التصوير، وتجلس تُراجع النصوص مع الشباب، وتُحضّر لهم الشاي بنفسها أحيانًا.
ذات مرة، كان أحد الممثلين يعاني من أزمة شخصية أثرت على أدائه، فدخلت غرفته وقالت له دون مقدمات:
“أنا مش جاية ألومك، أنا جاية أقولك: أنا معاكي لحد ما ترجع توقف على رجلك.”
عاد المشهد التالي ليكون من أقوى المشاهد في العمل، وخرج بعده المخرج يصفها بـ”الدرع الخفي للعمل”.
كواليس لا تُنسى من المسرح القومي
حين تولّت رئاسة المسرح القومي، أصرّت على كسر قاعدة “النجومية المنفردة”، وفرضت نظامًا يجعل البطولة جماعية. أحد الممثلين الكبار رفض وقال:
“أنا نجم، ما ينفعش أكون زَيّي زي حد!”
فردّت عليه بثقة هادئة:
“المسرح هو النجم، وإحنا كلنا في خدمته.”
تراجع الممثل لاحقًا، واعترف أن تلك كانت “أكثر تجربة نضج فيها فنيًا”.
الكواليس التي تصنع الأساطير
ربما عرفها الجمهور من على المسرح، أو عبر الشاشة، ولكن الذين عملوا معها، عرفوا وجهًا آخر لـ سميحة أيوب: المرأة التي كانت تصنع الفنان قبل أن تصنع الدور. خلف كل مشهد خالص الأداء، كانت هناك لحظة حقيقية في الكواليس، تُدار بصمتها، وبنظرتها، وبجملتها التي تخرج في اللحظة الحرجة.
سميحة أيوب لم تكن مجرد فنانة تؤدي… بل كانت معمارية تبني الفن من الداخل.
رحلت الجسد، وبقيت في الكواليس… في الذاكرة، وفي كل مشهد صادق على الخشبة والشاشة.





