أخبار وتقاريرعاجل

شم النسيم .. عيد الربيع وألوان الحياة 

شم النسيم .. عيد الربيع وألوان الحياة 

شم النسيم .. عيد الربيع وألوان الحياة 
أرشيفية

بقلم / د. دعاء نصر 

يُعد “شم النسيم” من أقدم الأعياد التي عرفتها البشرية، ويُحتفل به في مصر منذ آلاف السنين، وتحديدًا منذ عهد الفراعنة، وعلى الرغم من أن شم النسيم ليس عيدًا دينيًا، إلا أنه يحمل طابعًا احتفاليًا مميزًا يجمع بين بهجة الربيع، وروح التجدد، والروابط الاجتماعية بين الناس. ويُعتبر شم النسيم مناسبة للاحتفاء بالطبيعة والخروج إلى الحدائق، وتناول الأطعمة المميزة، وممارسة عادات متوارثة منذ آلاف السنين.

أصل الاحتفال بشم النسيم

يرجع أصل الاحتفال بشم النسيم إلى الحضارة الفرعونية، حيث كان يُعرف باسم “عيد شمو”، ويعني باللغة المصرية القديمة “بعث الحياة”. وكان المصريون القدماء يعتبرون أن هذا اليوم هو بداية الخلق والتجدد والحياة. وقد ارتبط هذا العيد بتغير الفصول، وبداية فصل الربيع، حيث تتفتح الأزهار، وتعتدل درجات الحرارة، وتبدأ الطبيعة في استعادة حيويتها.

شم النسيم .. عيد الربيع وألوان الحياة 
أرشيفية

مع مرور الزمن، تطورت تسمية العيد ليُصبح “شم النسيم”، وهو تعبير عربي دخل اللغة في العصر القبطي، حيث كان الاحتفال يتزامن مع عيد القيامة المجيد لدى المسيحيين، ثم أصبح عيدًا شعبيًا مشتركًا بين المسلمين والمسيحيين، وجميع أطياف المجتمع المصري.

عادات وتقاليد شم النسيم

من أبرز ما يميز شم النسيم في مصر هو الطقوس والعادات الشعبية التي توارثتها الأجيال، ومن أشهرها:

شم النسيم .. عيد الربيع وألوان الحياة 
أرشيفية

1. الخروج إلى الطبيعة

يحرص الناس على قضاء يوم شم النسيم في الحدائق العامة، وعلى ضفاف النيل، أو في الريف، للاستمتاع بجمال الطبيعة. وتُعد هذه النزهات رمزًا للانطلاق والانفصال عن ضغوط الحياة اليومية.

2. الطعام التقليدي

من أبرز مظاهر الاحتفال بشم النسيم هو تناول أطعمة معينة ارتبطت بهذا اليوم عبر التاريخ، وأشهرها:

شم النسيم .. عيد الربيع وألوان الحياة 
أرشيفية

 الفسيخ: سمك مُملح يُحضَّر بطرق تقليدية.

 الملوحة والرنجة: بدائل حديثة للفسيخ.

 البصل الأخضر: يرمز للحماية من الأرواح الشريرة في الثقافة الفرعونية.

 البيض الملون: يرمز للبعث والخلق، وكان يُلوَّن في العصور القديمة ويُقدَّم كقربان للآلهة.

3. تلوين البيض

تُعد عادة تلوين البيض من الطقوس المحببة للأطفال والكبار على حد سواء. وتُستخدم فيها ألوان زاهية ترمز إلى ألوان الطبيعة المتجددة في الربيع.

شم النسيم .. عيد الربيع وألوان الحياة 
أرشيفية

رمزية شم النسيم

شم النسيم ليس مجرد يوم احتفالي، بل يحمل في طياته رمزية عميقة ترتبط بالحياة والتجدد والأمل. فهو تعبير عن الانسجام بين الإنسان والطبيعة، وعن التفاؤل ببدايات جديدة، وانطلاقة مشرقة بعد فصل الشتاء القاسي.

شم النسيم بين الدين والثقافة

رغم أن شم النسيم عيد فرعوني الأصل، إلا أنه أصبح جزءًا لا يتجزأ من الثقافة المصرية الحديثة. ويحتفل به المسلمون والمسيحيون معًا دون ارتباط ديني مباشر، ما يجعله نموذجًا فريدًا للتعايش والتكافل الاجتماعي. وقد واجه العيد بعض الانتقادات في بعض الفترات، لكنه ظل راسخًا في وجدان الشعب المصري كعيد شعبي ووطني بامتياز.

شم النسيم .. عيد الربيع وألوان الحياة 
أرشيفية

مظاهر شم النسيم في العصر الحديث

مع تطور الزمن، تغيرت بعض مظاهر الاحتفال، لكن الطابع الأساسي بقي محفوظًا:

 تنتشر الحفلات الغنائية في الحدائق والمنتزهات.

 تنشط حركة السياحة الداخلية، حيث يخرج الناس في رحلات جماعية.

 تتسابق المحلات التجارية في عرض الفسيخ والرنجة، وتزيين البيض والزهور.

 تظهر رسومات الأطفال في المدارس التي تعبّر عن البهجة والألوان والربيع.

شم النسيم .. عيد الربيع وألوان الحياة 
أرشيفية

 

يظل شم النسيم أحد أهم مظاهر البهجة في الثقافة المصرية، عيد يعبّر عن حياة متجددة وأمل لا ينقطع. فهو يوم للتنفس من هموم الحياة، ولقاء الأحبة، وتقدير جمال الطبيعة. وبين جذوره الفرعونية ومكانته في قلوب المصريين اليوم، يبقى شم النسيم احتفالًا عابرًا للزمن، يوحد الجميع على اختلاف أعمارهم وأديانهم في حب الحياة.

زر الذهاب إلى الأعلى