قرار محكمة العدل بشأن غزة انتصار للعدالة ويتطلب خطوات عملية لإلزام إسرائيل
أثنى الدكتور محمد محمود مهران، المتخصص في القانون الدولي العام وعضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولي، علي الأمر الصادر عن محكمة العدل الدولية مؤخراً بشأن فرض تدابير عاجلة على إسرائيل لوقف انتهاكاتها في قطاع غزة، معتبراً إياه انتصاراً للعدالة الدولية وتعزيزاً لسيادة القانون في مواجهة سياسة القوة والاستعلاء التي تنتهجها إسرائيل بدعم من حلفائها.
وأكد مهران في تصريحات صحفية أن هذا القرار يأتي استجابة للطلب الثاني الذي تقدمت به جنوب أفريقيا للمحكمة في 10 مايو الجاري، والذي استند إلى انضمام البلدين لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948، حيث قدمت جنوب أفريقيا أدلة على ارتكاب إسرائيل أفعالاً يمكن أن ترقى لجريمة الإبادة ضد الفلسطينيين في غزة، وطالبت تعديل التدابير المؤقتة الاولي وإضافة المزيد.
وأوضح أن المحكمة استناداً للمادة 41 من نظامها الأساسي، رأت أن الظروف تستدعي اتخاذ تدابير مؤقتة لحماية حقوق الأطراف ومنع تفاقم الوضع، فأمرت إسرائيل باتخاذ إجراءات فورية لوقف أعمالها العسكرية، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية، وكفالة حرية حركة المدنيين، والامتناع عن الإجراءات التي من شأنها تغيير الوضع القانوني أو الديموغرافي للأراضي الفلسطينية المحتلة.
وبين الخبير الدولي أن هذه التدابير تتسق مع أحكام القانون الدولي الإنساني، لا سيما اتفاقية جنيف الرابعة لحماية المدنيين وقت الحرب، والتي تحظر على سلطة الاحتلال المساس بالحقوق الأساسية للسكان، وتلزمها بتأمين الخدمات الطبية والإمدادات الغذائية والإغاثية، وفقاً للمواد من 55 إلى 60 من الاتفاقية.
كما أشاد مهران بـالدور الرائد لجنوب أفريقيا في تحريك الدعوى أمام المحكمة، والذي يعكس التزامها التاريخي بمناصرة حقوق الشعوب المضطهدة، ويعيد للأذهان كفاحها ضد نظام الفصل العنصري، وهو النظام الذي تكرسه إسرائيل اليوم بحق الفلسطينيين داعيا كافة الدول الأطراف في اتفاقية منع الإبادة الجماعية، للانضمام للدعوى التي أقامتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، تأكيداً لالتزامها بمكافحة هذه الجريمة النكراء ومحاسبة مرتكبيها، أياً كانت صفتهم أو جنسيتهم، وحماية للشعب الفلسطيني الذي يتعرض لأبشع الممارسات اللاإنسانية.
و دعا مجلس حقوق الإنسان والمفوضية السامية والمقررين الخاصين في الأمم المتحدة، إلى متابعة تنفيذ قرار المحكمة، وتوثيق أي انتهاكات ترتكبها إسرائيل، ورفع تقارير دورية بشأنها للجهات المعنية، واتخاذ الإجراءات المناسبة في حال استمرار إسرائيل في تحدي إرادة المجتمع الدولي.
هذا ولفت الدكتور مهران إلى أن المادة 94 من ميثاق الأمم المتحدة تؤكد على التزام كل دولة عضو بتنفيذ قرار المحكمة في أي قضية تكون طرفاً فيها، وتتيح لمجلس الأمن التدخل باتخاذ التدابير اللازمة لتنفيذ هذا القرار، لكن هذه الآلية ظلت معطلة في معظم القضايا المتعلقة بإسرائيل بسبب الفيتو الأمريكي.
وأكد ايضا أنه في ظل هذا الواقع، يتعين على الدول منفردة ومجتمعة، اتخاذ خطوات عملية للضغط على إسرائيل وإجبارها على الامتثال لقرارات الشرعية الدولية، ومنها على سبيل المثال: فرض عقوبات اقتصادية وتجارية شاملة، وقطع العلاقات الدبلوماسية في حال استمرار الانتهاكات، وتعليق اتفاقيات التعاون الثنائية في المجالات العسكرية والأمنية والتكنولوجية، فضلا عن دعم مقاطعة المنتجات والشركات والمؤسسات المتورطة في دعم الاحتلال والاستيطان.
وتابع: بالإضافة إلي ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين أمام القضاء الوطني للدول بموجب مبدأ الاختصاص القضائي العالمي، والضغط لنيل فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، لتتمكن من الدفاع عن حقوقها في كل المحافل الأممية، مع تقديم كل أشكال الدعم السياسي والقانوني والإنساني للشعب الفلسطيني لتمكينه من الصمود والمقاومة.
وختاماً شدد الدكتور محمد مهران على أن انفاذ القانون الدولي وتطبيقه على الجميع دون استثناء أو تمييز، هو الضامن الوحيد للسلم والاستقرار، وأن انتقائية المعايير في التعامل مع القضايا والنزاعات الدولية هو أكبر تهديد لمصداقية النظام الدولي برمته، ومضيفا أن قضية فلسطين تظل محكاً أساسياً لإثبات جدية المجتمع الدولي في إحقاق الحق وإقامة العدل، ودحض أي ادعاءات بازدواجية المعايير أو الكيل بمكيالين.