بيوت زمان وأجهزة زمان: دفء الذكريات وبساطة الحياة مع حكم وأمثال

كتبت / دنيا أحمد
في زمن ليس ببعيد، كانت البيوت تُبنى بالحب والبساطة، وتُملأ بالضحكات والرضا. “بيوت زمان” لم تكن فاخرة في مظهرها، لكنها كانت غنية بالدفء الإنساني، وتفاصيلها الصغيرة كانت تكفي لتخلق جوًا من الأمان والانتماء لا يُنسى.

كانت البيوت تُبنى من الطوب اللبن أو الحجر، وسقفها من الخشب أو الجريد، وأرضياتها تُغسل بالماء والصابون البلدي، وتفوح منها رائحة القهوة أو الخبز الطازج كل صباح. لا تكييف ولا كهرباء كثيرة، لكن الهواء نقي، والنفوس صافية، والقلوب متقاربة.

في بيوت زمان:
• كانت العيلة كلها تجتمع على مائدة واحدة، لا يشغلهم هاتف ولا تلفاز.
• كان “الراديو” هو الجهاز الأهم، يجتمع حوله الجميع لسماع الأخبار أو أم كلثوم.
• وكانت الثلاجة تعمل بالثلج، وغسالات اليد تُدار بالمجهود، والمروحة تُطفأ عند الغروب.
• وكان هناك “الوابور” أو “البريموس” لطهي الطعام، و”الفانوس” أو “اللمبة الجاز” لإنارة الليل.

أما أجهزة زمان، فقد كانت قليلة لكنها عزيزة، تعيش سنوات طويلة دون أن تتعطل، وكأنها شريك في البيت لا مجرد أداة. التلفزيون كان قطعة أثاث فخمة، له باب يُغلق، وله وقت محدد في المساء، والبرامج كانت قليلة لكنها ذات قيمة ومحتوى يحترم العقول.

الجهاز الأهم في كل بيت كان “الراديو”، له صوت مميز وهيبة، نضبط مؤشره بدقة لنستمع إلى “صوت العرب” أو “برنامج ما يطلبه المستمعون”، وكان ذلك كافيًا ليُنعش يومًا بأكمله.

الفرق بين اليوم والأمس كبير:
اليوم نعيش في بيوت مليئة بالأجهزة الذكية، لكن ينقصها دفء اللقاء. التكنولوجيا وفرت لنا كل شيء، لكنها أحيانًا سرقت منا أشياء أهم: السهر الجماعي، الضحكة البسيطة، والحديث الممتد بلا مقاطعة.

في الختام، بيوت زمان وأجهزتها كانت بسيطة في شكلها، لكنها عظيمة في أثرها. هي ليست مجرد ذكريات، بل دروس في القناعة والرضا، وفي كيف أن البساطة قد تحمل من السعادة ما لا تحمله كل مظاهر الحداثة.
أمثال شعبية من بيوت زمان:
حِكم تعيش في الذاكرة
في بيوت زمان، لم تكن الحكمة تُدرّس في الكتب، بل كانت تتردد على ألسنة الجدات والآباء في شكل أمثال شعبية تحمل تجارب عمر وحكمة سنين، وتُقال في المواقف اليومية لتُرشد وتُعلّم دون الحاجة إلى كثير من الكلام.

من أشهر هذه الأمثال:
• “اللي ما له كبير يشتري له كبير”
ويُقال لتأكيد أهمية وجود شخص حكيم يُستشار في الأمور الكبيرة.
• “الصبر مفتاح الفرج”
يُقال وقت الضيق ليذكّر الناس بأن الفرج قادم لمن يصبر.
• “امشي عدل يحتار عدوك فيك”
دعوة للسلوك القويم والنية الطيبة مهما كان من حولك.
• “كل تأخيرة وفيها خيرة”
تأكيد على أن ما يبدو تأخيرًا قد يكون فيه خير لا نعلمه.
• “الجار قبل الدار”
دلالة على أهمية حسن الجوار وتقديمه في الاعتبار عند السكن.

كانت هذه الأمثال تُقال ببساطة، لكن وقعها في النفس كان عميقًا، وتُغرس في القلوب قبل العقول. هكذا كانت بيوت زمان… لا تحتاج لكتب كثيرة لتعلمنا، بل يكفي أن نعيش فيها ونسمع أهلها.






