من نصر العبور إلى حاضر الردع ..مصر لا تعرف الانكسار !

بقلم : أيمن عدلي
في حياة الشعوب لحظات تصنع الفارق، لحظات تختزل التاريخ كله في مشهد واحد وتفتح أبواب المستقبل على مصراعيه، ولعل انتصار أكتوبر 1973 كان هو المشهد الأبرز في تاريخنا الحديث.. يومها عبر الجندي المصري قناة السويس متحديًا المستحيل، وحطم خط بارليف الذي قيل عنه إنه لا يقهر، وأسقط أسطورة “الجيش الذي لا يهزم”..لم يكن ذلك مجرد انتصار عسكري، بل كان ميلادًا جديدًا للأمة، استعاد فيه المصري والعربي معًا ثقته في قدرته على مواجهة العدو وصناعة مجده بيده.
وأوكد.. انه بعد أكثر من نصف قرن ،ما زالت روح أكتوبر حاضرة، وما زال الدرس قائمًا: القدرة على الردع ليست لحظة عابرة ولا نصرًا جاء بالصدفة، بل هي عقيدة راسخة وإرادة متجددة ومنهج حياة.. فحين تتوحد الكلمة، وحين يصبح الوطن فوق كل اعتبار، فإن كل تحدٍ يصبح قابلًا للكسر، وكل قوة للعدو تتحول إلى وهم..نحن لا نتحدث عن ماض جميل فحسب، بل عن حاضر يصنع نفسه، ومستقبل يبنى على أسس صلبة بقيادة سياسية واعية ،وجيش يعرف مسؤوليته التاريخية.وشعب يملك من الوعي ما يجعله الحائط الأول في مواجهة أي تهديد.
قوة الردع لم تعد تعني السلاح وحده، رغم أن مصر تملك جيشًا يحسب له ألف حساب، لكن الردع الحقيقي يبدأ من الإرادة السياسية، ومن القرار السيادي المستقل، ومن مؤسسات دولة قادرة على إدارة الأزمات وتحقيق التنمية وسط أعتى العواصف..الردع هو وعي الشعب الذي يدرك قيمة الأرض وكرامة العرض، هو الجبهة الداخلية التي لا تخترق مهما حاول العدو، وهو البناء الاقتصادي والسياسي والاجتماعي الذي يجعل الوطن عصيًا على الانكسار.
اليوم نرى الجيش المصري في كل موقع، على الحدود يذود عن الأرض، وفي الداخل يشارك في معركة التنمية والبناء..لم يعد السلاح وحده عنوان القوة، بل التلاحم بين الشعب وجيشه، بين القيادة وأبنائها، هو ما يصنع النصر الحقيقي..وإذا كان العدو المحتل يراوغ ويحاول استغلال الظروف الدولية والإقليمية، فعليه أن يدرك أن الشعوب لا تنسى، وأن من عبر القناة في 73 قادر على عبور أي عقبة جديدة، سياسيًا كانت أو عسكريًا.
نحن لا نسعى للحرب، لكننا لا نخافها..لا نطلب الصدام، لكننا لا نقبل الذل.. لأننا أبناء حضارة عريقة علمت البشرية معنى الكرامة والحرية، وأبناء أكتوبر الذين حملوا على أكتافهم راية العزة لا يمكن أن يفرطوا في حق أو يقبلوا بباطل..إن التحديات تتغير، تتبدل صورها وأدواتها، لكن الثوابت تبقى: الأرض والعرض والكرامة..خطوط حمراء لا يقترب منها أحد.
تحية صادقة إلى رجال أكتوبر الأبطال، الذين صنعوا النصر الخالد، وتحية إلى رجال الجيش المصري اليوم الذين يواصلون المسيرة ويحملون الراية في مواجهة كل تهديد..وتحية أعظم إلى الشعب المصري، الذي أثبت أنه شعب يستحق النصر، قادر على الردع، مؤمن بأن الحق لا يُنتزع إلا بالقوة، وأن الوطن لا يباع ولا يشترى.
هذه هي مصر، التي كتبت تاريخها بدماء أبنائها، وستظل قادرة على حماية حاضرها وصناعة مستقبلها، بروح لا تنكسر، وإرادة لا تقهر.







