أحمد عبد الصبور : ” منير مراد ” تلك الموهبة المنفردة التي لم يستوعبها الوسط الفني ولا المتلقي
كتبت: ولاء مصطفى
إستضاف برنامج مجالس الطرب على قناة النيل الثقافية الناقد الفني ” أحمد عبد الصبور ” في حلقة عن ذكرى ميلاد الموسيقار ” منير مراد ” ، وقام بتقديم الحلقة الإعلامية ” مروة عبد العليم ” .
وقد تحدث الناقد ” أحمد عبد الصبور ” عن مسيرة حياة الفنان والموسيقار ” منير مراد ” وكشف عن أسرار في حياته الفنية لم تطرق لها باب من قبل …
حيث قال ” أحمد عبد الصبور ” : أن ” منير مراد ” ظلم حياً وميتاً … ولعل أبسط ما يمكن أن يعرض الإنسان وبخاصة الفنان للظلم هو إحساسه بأنه غير مفهوم وأنه لا يقدر حق التقدير .
وأكد ” أحمد عبد الصبور ” قائلاً : إن الأسباب التي جعلت الظلم يطرق باب ” منير مراد ” بإستمرار هي كونه فناناً شاملاً جمع بين العديد من عناصر الفن السابع ، حيث لم يستوعب الوسط الفني ولا المتلقي المصري هذة الموهبة المنفردة .
وإستطرد قائلاً : ولم تكن نوعية الموهبة وحدها سبباً لهذا الظلم ، بل كان العدد أيضاً ، فقد ذكر ” منير مراد ” في حديث إذاعي له أنه لحن ثلاثة آلاف لحن ، وهو الأمر الذي خلق حالة من عدم التصديق لهذة الموهبة المتفردة … فقد إنتقل ” منير مراد ” من التقليد إلى التمثيل إلى التلحين إلى الغناء إلى الرقص إلى كتابة السيناريو إلى العمل كمساعد مخرج ، وكأنه لم يترك عملاً في الفن إلا وأبدع فيه … ومع ذلك لم يستوعب الجمهور ولا القائمون على صناعة السينما هذا المبدع .
وأضاف ” أحمد عبد الصبور ” قائلاً : لم تكن معاناة ” منير مراد ” وحدها في عدم تقبل وتفهم إبداعاته ، فعانى أيضاً من البيروقراطية والروتين الحكومي الفج مع الفنون ، فعندما ظهر التلفزيون في مصر عام 1960 م ، تصور ” منير مراد ” أنه سيصبح شباكه الواسع على الدنيا إلا أن الأمر كان عكس ذلك تماماً ، فذكر أنه عندما كان يطلب أي شيء حتى ولو أشياء بسيطة من التليفزيون أثناء العمل في البروفات كانوا يجيبونه : ( أكتب طلب علشان نجيبها من المخازن ) … !!!
وصرح ” أحمد عبد الصبور ” قائلاً ” لقد طارده الظلم حتى بعد وفاته ، فبعد مماته تعرض تاريخه للطمس والتشويه والسرقة ، فقد توفى ” منير مراد ” يوم 17 أكتوبر 1981 ، وكان ذلك بعد وفاة الرئيس ” محمد أنور السادات ” بأيام قليلة وبالطبع لم يلتفت إلى موته أحد ، فنعت الصحف الرئيس ” السادات ” لسنين ، أما ” منير مراد ” فقد كان خبر وفاته في عدة سطور مفاده أن ” منير مراد ” توفى إثر سكتة قلبية وذكرت بعض المعلومات عن حياته وأعماله … حتى مع ظهور السوشيال ميديا لم يسلم ” منير مراد ” من الشائعات والإفتراءات فقد إنتشرت معلومة مزيفة عن ” منير مراد ” على أحد المنتديات والمواقع الإلكترونية بشبكة الإنترنت ، ضمن أحد الموضوعات عن الفنانين اليهود في مصر ، أن ” منير مراد ” مات شريداً خارج مصر ، وهو أمر عار تماماً من الصحة … !!!
لقد إنتابت ” منير مراد ” في سنواته الأخيرة حالة من التجهم والرغبة في العزلة توحي بالعزوف عن الحياة ، وعدم الإنفتاح على الآخرين ، ربما ترجع إلى تعاطفه مع شقيته ” ليلى مراد ” التي طاردتها الشائعات المغرضة بسبب الإدعائات الصهيونية الخبيثة ، إلى جانب رحيل ” عبد الحليم حافظ ” ، مما أصابه بحزن عاصف ، فقد كان صديقاً حميماً له .
ومنذ شهر يونيه 1981 بدأ ” مينر مراد ” يعاني من أزمة قلبية ، وإرتفاع في ضغط الدم ، إثر إصابته بجلطة في الشريان التاجي ، ونصحه الأطباء وقتها بالراحة التامة ، وكان مرتبطًاً ببعض الألحان الجديدة لشقيقته ” ليلى مراد ” لتعود بها إلى الساحة الفنية بعد غياب طويل ، وكان يعد ذلك كمفاجأة ليعلن عنها في الوقت المناسب .
وكان ” منير مراد ” قد إختار أن يصوم السابع عشر من أكتوبر منذ 1971 ، وهو اليوم الذي توفى فيه شقيقه الكبير” إبراهيم ” وإستشار طبيبه الخاص في أخر مرة زاره فيها ، حول تأثير الصوم على حالته الصحية ، ولم يمانع الطبيب من الصيام ، ولكن نصحه بعدم الإرهاق .
إلا أن جسد ” منير مراد ” النحيل لم يحتمل المرض ، وأسلم روحه إلى بارئها بعد تناوله السحور ليلة السابع عشرمن أكتوبر عام 1981 وبعد الفجر بقليل متأثراً بسكته قلبية حادة .
لقد رحل ذلك العبقري في هدوء والسبب هو أن رحيله تزامن مع إغتيال الرئيس ” محمد أنور السادات ” في أكتوبر 1981 ولذلك كان هناك حظر تجوال ولم يحضر أحد جنازته ولم يعلم بها أهل الفن ومحبيه إلا بعد فترة من وفاته .
ظلم ” منير مراد ” حتى يوم وفاته … !!! إن من سوء حظ ” منير مراد ” أنه توفى في 17 أكتوبر 1981 ، وهي الفترة التي شهدت عدة إضطراب وقلق وتوتر في مصر ، عقبت حادثة إغتيال الرئيس الراحل ” محمد أنور السادات ” في 6 أكتوبر 1981 ، ولم يمشِ في جنازته سوى 3 أفراد فقط هم : ( أشرف وذكي ) إبنا شقيقته الفنانة ” ليلى مراد ” ، أما الشخص الثالث فهو الحانوتي .
حتى أن الصحف وقتها نشرت خبر رحيله بعد دفنه بيومين ، فلم يلق موته صدى لدى الجمهور ، وذلك بسبب التركيز الإعلامي في تلك الفترة على الأخبار السياسية وتفاصيل حادث الإغتيال وما نتج عنه .
كما أن الفنانة ” ليلى مراد ” وقت وفاة ” منير مراد ” لم تكن قد إنتهت من إعداد المقابر الخاصة بالعائلة بعد ، لذا تم دفنه في مقبرة الفنان ” عبد الحليم حافظ ” ، بجوار جثمان صديقه ” العندليب ” .
” منير مراد ” هو صانع النجومية لمطربيه والبهجة والسعادة لمستمعيه لو حصرنا ألحان الفنان والموسيقار العبقري ” منير مراد ” التي قدمها لكبار المطربين مثل : عبد الحليم حافظ وشادية ومحمد رشدي وصباح وعفاف راضي وغيرهم … والتي وصلت لـ 3000 لحن سنجد أنه في كل ألحانه كان صانعاً للبهجة والسعادة وكان سابقاً لعصره في تقديم إيقاع سريع وجديد على أذن المستمع العربي ، ومثلما صنع البهجة لمستمعي ألحانه صنع النجومية لكل المطربين الذين لحن لهم .
فقد سار ” منير مراد ” على نهج ” محمد عبد الوهاب ” متخلصاً من التخت الشرقي وقبله ” سيد درويش” الذي تخلص من الموسيقى التركية ، فقد حاول التخلص من الموسيقى ذات الإيقاع البطيء والأغنية الطويلة زمنياً إلى الموسيقى السريعة والأغنية القصيرة في محاولة لمواكبة العصر ، بالإضافة لتخلصه من الشكل الكلاسيكي للأغنية المكونة من مذهب وثلاثة كوبليهات ، وكان هذا أيضاً أمر غير مقبول وقتها .
إن أجمل أغاني السينما المصرية والدويتوهات الجميلة التي نستمتع بها صنعها ذلك العبقري ” منير مراد ” والتي منها – على سبيل المثال لا الحصر – مثل : دويتو ” حاجة غريبة ” الذي جمع العندليب بشادية وكان لدى ” منير مراد ” قدرة على أن يجعل الممثل يغني وكأنه مطرب وهذا ما حدث مع سيدة الشاشة ” فاتن حمامة ” حينما شاركت بالغناء في ” ألو ألو إحنا هنا ” مع ” شادية ” ، وقدم أيضاً روائع لحنية نتذكر منها : ” كعب الغزال ” لـ ” محمد رشدي ” ، و” القلب معاك ثانية بثانية ” و” على عش الحب ” لـ ” شادية ” .
” موريس ذكي مراد موردخاي” هو الإسم الحقيقي لـ ” منير مراد ” ، وهو ينتمي لأسرة فنية عريقة ، فالأب ” ذكي مراد ” الذي كان يعمل في مجال الموسيقى فقد إكتسب شهرة كملحن في أوائل القرن العشرين ، ووالدته ” جميلة روشو ” وهي يهودية مصرية وهي إبنة متعهد الحفلات ” إبراهيم روشو ” … وشقيقته الفنانة ” ليلى مراد ” ، فحين بدأ يكبر ” منير مراد ” وجد أن أخته الكبيرة الفنانة ” ليلى مراد ” قد بدأت في الغناء بالإذاعة المصرية في أول ظهورها … وكان يرتاد بيتهم الشيخ ” زكريا أحمد ” و ” القصبجي ” ،،، وغيرهم .
وبدأ ” منير مراد ” حياته بفن التقليد والمحاكاة على أسس واضحة خاصة تقليد الفنانين والمطربين منهم على وجه الدقة ، فهو لم يقم بمحاكاة نبرة الصوت أو حتى حركات الفنان فقط ، بل إنه كان حين يحاكي يجعل المتلقي يعيش في ” جو كامل ” خاص بمن يقوم بتقليده ، فقد عشق هذا الفن وقدمه في فيلم ” أنا وحبيبي ” عام 1953 ، وفيلم ” نهارك سعيد ” عام 1955 ، حيث قلد ” محمد عبد الوهاب ” ، و ” فريد الأطرش ” ، و ” محمد فوزي ” ، و ” ليلى مراد ” و ” محمد عبد المطلب ” ، ولعل أشهر أوبريت له يحمل عنوان ” محدش شاف ” .
كان الفنان ” منير مراد ” جامعة فنية متنقلة حيث كان مغنياً وملحناً وممثلاً .
ولد ” منير مراد ” عام 1922 لأسرة فنية عريقة ، وشكل ذلك ملامحه الفنية الأولى ، ففي عام 1939 ترك ” منير مراد ” الكلية الفرنسية ثم خرج بعدها ليعمل أعمال بسيطة إلى أن دخل مجال السينما كعامل كلاكيت ثم بدأ في العمل كمساعد مخرج مع ” كمال سليم ” في 24 فيلم في فترة الأربعينيات .
ثم إتجه ” منير مراد ” في بدايته للتلحين على موسيقى الجاز التي كانت رائجة وقتها في الغرب ولكنه واجه صعوبات في الترويج لها وإقناع المنتجين بها إلى أن كانت بدايته الحقيقية بأغنية ” واحد .. إتنين ” لشادية في فيلم ” ليلة الحنة ” والتي فتحت أمامه الطريق أمام المطربين ومنتجي الأفلام ليسندوا إليه تلحين العديد من الأغاني .
يشار إلى أن ” أحمد سالم ” وهو أول مذيع مصري بالإذاعة المصرية عام 1935 والذي كان صديقاً شخصياً للملك ” فاروق ” هو الذي أقترح على ” منير مراد ” أن يمثل ويغني ويلحن ، وهو الذي قدمه للمخرج ” كمال سليم ” ليعمل معه كمساعد مخرج في فيلم ” قضية اليوم ” .
كان ” منير مراد ” رائدا من رواد الموسيقى الراقصة والإستعراضية في مصر حيث وضع أشهر موسيقى الرقصات والإستعراضات التي كانت تؤديها ” تحية كاريوكا ” و ” سامية جمال ” و ” نعيمة عاكف ” .
وكان إرتباط صوت ” شادية ” بألحان ” منير مراد ” علامة مضيئة في تاريخ الموسيقى المصرية حيث قام على مدى سنوات بتلحين عدة أغاني لها أصبحت من كلاسيكيات الأغاني الرومانسية في مصر بالإضافة للأغاني التي لحنها لعبد الحليم حافظ والتي كانت بمثابة جزء خاص من تجربته ، هذا بجانب الدويتوهات التي لحنها لعبد الحليم وشادية .
ومن أشهر الأغاني التي لحنها كانت للفنانة ” شادية ” حيث لحن لها ” منير مراد ” على مدى أكثر من عشرين سنة ، ومنها : « إن راح منك يا عين » و « تعالى أقولك » و « حاجة غريبة » و « دوّر عليه تلقاه » و « سوق على مهلك » و « شبك حبيبي » و « ما أقدرش أحب إتنين » و « يا دبلة الخطوبة » ، وللعندليب ” عبد الحليم حافظ ” منها : « وحياة قلبي وأفراحه » و « ضحك ولعب وجد وحب » و « بكرة وبعده » و « بأمر الحب » و « بحلم بيك » و« أول مره تحب يا قلبي » ، والأغنية الرمضانية «الراجل ده ح يجنني » لشويكار وفؤاد المهندس .
قدم ” منير مراد ” عشرات الألحان الناجحة لعدد كبير من المطربين أيضا منهم : ” من يوميها ” لوردة الجزائرية ، ” شغلوني عيونك ” لفايزة أحمد ، ” آه من الصبر ” لشريفة فاضل ، ” غلاب الهوى ” لمها صبري ، ” قسمة ونصيب ” لهاني شاكر ، ” شفت الحب ” لمحرم فؤاد ، ” مرجيحة الحب ” لليلى جمال ، ” كعب الغزال ” لمحمد رشدي ، ” تسلم لقلبي ” لهدى سلطان ، ” أبعد يا حب ” لعفاف راضي .
كما لحن ” منير مراد ” للعديد من أغاني وموسيقى الأفلام والمسلسلات والمسرحيات المصرية مثل : (مسرحية حواء الساعة 12 لفؤاد المهندس وشويكار ) ، ومسلسل ( برج الحظ أو شرارة لمحمد عوض ) ، وفيلم ( الزوجة 13لرشدي أباظة وشادية ) .
مثل ” منير مراد ” دور البطولة في فيلمين هما : ( أنا وحبيبي ) في عام 1953 أمام « شادية » ، و ( نهارك سعيد ) في عام 1955 ، وفي العام نفسه قام بدور صغير في فيلم ( موعد مع إبليس ) أمام ” ذكي رستم ” و ” محمود المليجي ” ، ثم مرت تسع سنوات كاملة إلى أن طلب منه صديقه « حسن الصيفي » أن يقدم إستعراضاً في فيلمه الذي أخرجه عام 1964 وكان بعنوان ” بنت الحتة ” .
كما شارك ” منير مراد ” بالتمثيل في أكثر من فيلم سينمائي ، حيث ظهر من خلال هذه الأعمال كضيف شرف أو كمطرب ومنها أفلام : ” إشهدوا يا ناس ، موعد مع إبليس ، بنت الحتة ، واحد في المليون ” .
تميزت موسيقاه بالطابع الخفيف والمبهج ، وإمكانيته على تقديم العمل المتكامل والذي يحتوي في داخله على أكثر من جمله لحنية ومختلفة ، وإستخدام أكثر من مقام موسيقي في نفس الوقت بمنتهى السهولة واليسر ، وبدون أن تشعر بهذه النقلات !!!
تزوج ” منير مراد ” ثلاث مرات ، الأولى من فتاة يهودية إيطالية ، أنجب منها إبنه الوحيد ” ذكي ” ، ثم تزوج الفنانة ” سهير البابلي ” لفترة تجاوزت الـ 9 سنوات ما بين عامي 1958 و 1967 ، وتعد ” سهير البابلي ” الحب الحقيقي في حياته ، ثم تزوج للمرة الثالثة من ” ميرفت حسني شريف ” ، الأخت غير الشقيقة للفنان ” تامر حسني ” ، وإستمر ذلك الزواج حتى وفاته في 17 أكتوبر 1981م