أطفال القمر… حين تكون أشعة الشمس عدوًا قاتلًا

كتبت/ مايسة عبد الحميد
في عالمنا هذا، حيث تغمر الشمس الأرجاء بضوئها ودفئها، هناك أطفال وُلدوا ليخافوا من هذا النور الطبيعي. يُعرفون باسم “أطفال القمر“، ليس لأنهم يأتون من عالم آخر، بل لأنهم لا يستطيعون الخروج في النهار دون أن تهددهم أشعة الشمس بحروق مميتة ومضاعفات خطيرة. هؤلاء الأطفال يعيشون في ظل الخوف والحذر، محرومين من أبسط متع الحياة… ضوء النهار.
ما هو مرض “أطفال القمر”؟

“أطفال القمر” هو الاسم الشاعري الذي يُطلق على مرض جفاف الجلد المصطبغ (Xeroderma Pigmentosum)، وهو مرض وراثي نادر يصيب واحدًا من كل مليون طفل في بعض المناطق. ويعاني المصابون به من حساسية شديدة للأشعة فوق البنفسجية، حتى ولو كانت بنسب ضئيلة.
يؤثر المرض على قدرة الجسم في إصلاح الأضرار التي تسببها الأشعة فوق البنفسجية في الحمض النووي (DNA)، مما يجعل الجلد عرضة للحروق والتقرحات والتصبغات، ثم سرطان الجلد في مراحل متقدمة، حتى بعد دقائق قليلة من التعرض لأشعة الشمس.
معاناة في كل تفاصيل الحياة

يبدأ التحدي منذ الأشهر الأولى في حياة الطفل. قد تظهر أولى العلامات على شكل بقع داكنة أو حروق غير مبررة بعد تعرض بسيط للشمس. ومع مرور الوقت، تزداد حساسية الجلد ويصبح المشي في وضح النهار أقرب إلى الانتحار.
يعيش “أطفال القمر” في عزلة إجبارية. لا يستطيعون الذهاب إلى المدرسة في الأوقات العادية، ولا اللعب في الحدائق، ولا المشاركة في الأنشطة اليومية. حتى نافذة غير محمية يمكن أن تشكل خطرًا حقيقيًا عليهم.

تقول إحدى الأمهات:
“أضطر لتغطية ابني بالكامل حتى لو كان الطقس حارًا، ونخرج فقط بعد غروب الشمس. أشعر أنه يعيش في عالم مختلف تمامًا عن أقرانه.”
كيف نتعامل مع أطفال القمر؟
رغم أن المرض غير قابل للعلاج حتى الآن، فإن الإدارة الحذرة لحياة الطفل يمكن أن تخفف من معاناته وتطيل من عمره دون مضاعفات خطيرة. من أهم أساليب التعامل:
الوقاية الصارمة من الشمس: استخدام ملابس واقية، نظارات خاصة، واقيات شمس بدرجة حماية عالية جدًا.
العيش في بيئة آمنة: تركيب نوافذ مقاومة للأشعة فوق البنفسجية، وتعديل أماكن الإضاءة لتكون غير ضارة.
التعليم الليلي أو المنزلي: وتوفير وسائل تعليم مرنة تتناسب مع جدولهم الخاص.
الدعم النفسي: الطفل يحتاج إلى الحب والقبول والتشجيع المستمر لتجاوز العزلة الاجتماعية.
هل يمكن الوقاية من المرض؟
بما أن المرض وراثي، فإن التحاليل الجينية قبل الزواج في العائلات التي لديها تاريخ طبي مع المرض تلعب دورًا هامًا في الوقاية. التوعية بهذا المرض في المجتمعات المعرضة له وراثيًا قد تحدّ من انتشاره وتقلل من عدد الإصابات.
رسالتنا لأطفال القمر
أنتم لستم وحدكم. قد تكون الشمس عدوكم، لكن قلوبنا مفتوحة لكم. من حقكم أن تحلموا، تتعلموا، وتعيشوا طفولتكم مثل أي طفل آخر. وعلى المجتمع أن يتقبل اختلافكم، ويهيئ لكم الحياة الكريمة، ويشملكم بالحماية والمحبة.






