إنقضاء العرس الكروي ونهاية حلم التتويج
كتب : باسم أحمد عبد الحميد
انفَضَّ العُرسُ الكُروي ،وذهبتِ الكأسُ الإفريقيةُ لمن يستحق، والله غالبٌ على أمره …
رفضتُ الكتابةَ بالأمس، وفَضَّلتُ محاولةَ الاسترخاء والنوم؛ حتى لا أكتبَ في ( مود ) سيئ، فأتحاملَ على منتخب مصر الذي عشنا معه الحُلمَ لشهرٍ كامل. بالرغم من عدم تفاؤلي مع بداية البطولة، والعرضِ الباهتِ أمام نيجيريا …
و مع مرورِ الوقت، وارتفاعِ النَّسَق، واستغلالِ الرُّوحِ الوطنية والإرادةِ المصرية، نحجنا بالعبور إلىٰ المرحلة النهائية، وهذا شرفٌ يحسُدنا عليه كلُّ فريق خرج من البطولة في الأدوار الإقصائية ..
بطبيعة الحال فإن( كارلوس كيروش ) هو المستفيد الأول من هذه التجربة المتميزة والفريدة طوال سجله الطويل؛ فأحفاد أكتوبر هم أنفسهم مَن تخطَّوا العقبةَ تلو الأخرى من أجل العبور للنهائي ..
هذه الرُّوحُ العتيدةُ مثارُ تساؤلات عديدة في ذهن هذا الرجل، كيف تكونت شخصية مصر؟؟ وكيف تكون وقت الشدائد والأزمات؟؟
– بطبيعة الحال لا يخالجني شكٌّ في وطنية أي مواطن على تراب
هذه الأرض المقدسة، ولا حتى شك في وطنية ( كارلوس كيروش) ورفاقه؛ فلقد شرب الجميعُ من النيل الخالد ،ولايزال (هيكتور كوبر ) يتردد علىٰ مصر أكثر من وطنه الأرجنتين!!
– لكن علينا أن نكونَ منصفين، ولا نغالي في ردة الفعل، وأن نتدارك الأخطاء؛ حتى نستفيد. يجب ألا تكون طريقة اللعب سلبية،
فالمتعة لا تتحقق إلا بالإثارة والمراوغة والنِّدِّية هجمة هنا وأخرى هناك!!
يجب أن نعملَ على تطوير الهجوم وحُسنِ الارتداد؛ حتى ننضجَ كُروياً؛ فالدفاعات الأسمنتية لا يجب أن تكون أسلوبَ حياة!!
يجب أن نعترفَ بالأخطاء، وهذا أولُ طريقٍ للإعادة والبناء، وخلقِ جيلٍ قادرٍ علىٰ التطور والرقي والفوز أمام كل تحدٍّ قد يعوق مسيرةَ التقدم ..
كلُّ الظروف بالأمس كانت ضد المنتخب المصري بدايةً من الإرهاق البدني ،فلم يحدثْ من قبلُ أن لعبَ أيُّ منتخبٍ على مستوىٰ العالم هذه الدقائق ( 450) دقيقة تقريبًا في بطولة واحدة، وهذه الأشواط الإضافية!!
أيضًا استبعاد المدرب نتيجةَ الطرد، وهذا الأمر أشبهُ بمن تركَ سيارتَه لابنه ليقودها لأولِ مرة بتوجيهٍ منه فقط وسطَ الزحام والصخَب والترقب، بل ويطلب منه أيضًا الوصولَ للهدف بدقةٍ وسرعةٍ دون خطأ!!
لا ألتمسُ للمدرب العذر؛ إذ عليه أن يتحملَ مسئولياتِه كاملةً تجاه هذا الفريق وتجاهَ هذا الشعب الذي يدافع عن حقه في السعادة والحياة مع كل هدف يحققه المنتخب، مع كل لمسة لصلاح مع مصر ومع ( ليفربول ) الإنجليزي …
يجب أن ننصفَ كلَّ من أجاد، ولا نذبح كل من فاته قطار التألق؛ لأنه الخاسر الأكبر أمام تاريخه الذي لا يرحم، فالإحصائيات أصبحت مذهلةً لدرجة تفوق الوصف، وعلىٰ سبيل المثال فاللاعب الوحيد اللي لعب الـ 120 دقيقة كاملة بنفس الأداء و الثبات على المستوى في مبارة السنغال أمس هو اللاعب ( حمدي فتحي ) طبقا للخريطة الحرارية لـلاعب ، و اتضح أنه اللاعب الوحيد الذي قام بمسافة أكبر من الركض بالكرة تُقدَّر بـ 3 كيلو و 120 متر “بما
يفوق معدلات خط هجوم منتخب مصر مجتمعين!!
وهو تاني أكثر لاعب قام باستخلاص الكرات بشكل صحيح بعد اللاعب “عبدالمنعم” برصيد 15 كرة – وهو صاحب أكثر معدل من التمريرات الصحيحة بـ 45 تمريرة من أصل 47 …
علينا أن نشكرَ صلاح الذي حاول أن يحفر قناةً للمرور بملعقة، وعلينا أن نشكرَ الحارسَ العملاقَ محمد أبو جبل أفضل حارس بالبطولة في رأي كل منصف عادل، ولاننسىٰ الشناوي الذي ذاد
عن مرماه بقوةٍ وجرأةٍ وبسالةٍ وشموخ قبل إصابته ..
افرحوا بـ”فتوح”، وارفعوا القبعة لـمحمد عبدالمنعم هذا الشاب الصغير، والونش الرجل الذي قاتل رغم الإصابة ..
لا تنسوا تريزيجيه، وهدفه القاتل في المغرب ..كلهم أبطال.
لكن لا يزال أمامي عدةُ تساؤلات بغير إجابة :
-لماذا الإصرار علىٰ مصطفىٰ محمد و عمر مرموش طوال الوقت؟!
-لماذا اصطحبتَ يا كيروش عبد الله السعيد، ومحمد شريف دون توظيفٍ منطقي لهما؟!
-لماذا لم يتقدم صلاح والنني وتريزيجيه لضربات الجزاء أمس؟! وصلاح هو من يسدد كل مرة مع ليفربول!!!
-لماذا خسرَ السوليةَ وهو قادر في أي وقت على تسديد ضربة جزاء؟!
يجب الإجابة علىٰ كل هذه التساؤلات أولًا، كما يجب علينا أن نتعلمَ من أخطائنا قبل مباراتنا القادمة مع السنغال أيضًا في تصفيات كأس العالم، وأن نعتبرَ هذه المباراةَ بروفةً للوصول إلىٰ المونديال، وهذا -لا شك- أعظمُ ألفَ مرةٍ من كأس الأمم الأفريقية ..
يجب تدعيمُ خط الوسط بشكل أفضل؛ فمحمد صلاح في أزمة حقيقية في الملعب، عليه جهدٌ فرديٌّ مُبالَغٌ فيه في بناء الهجمة والاستلام والمرور والمراوغة ثم التسجيل، هذا أمر مُضنٍ للغاية !!
علينا ألا نضَع فوق أعيننا عِصابةً تحجب عنا الرؤيةَ الواضحة، والمفروض أن نتأهبَ للخطوة القادمة، وأن نعلمَ جميعًا أن الكرة هي القوة الناعمة لهذا الشعب الطيب المثابر …