الاعتدال في حياة المسلم
كتب: الشيخ الدكتور/ علي محفوظ من علماء الأزهر الشريف
الاعتدال مشتق من العدل، وهو لزوم الحق والدوران مع القسط، ويمثله الوسط، بعيدا عن الإفراط والتفريط. والغلو والجحود.
وقد عني القرآن الكريم تصريحا وتلميحا بتربية المسلمين على الاعتدال عاطفة وتفكيرا وسلوكا، فنص على أننا أمة وسط؛ أي: بعيدة في كل شؤونها عن التشدد، وهذا ما يؤهلها للشهادة على الأمم، قال تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة: 143].
مجالات الاعتدال:
1.الصلاة:
رفع الصوت فيها أكثر من اللزوم مقابل المخافتة إلى حد الإسرار، كلاهما غير مطلوب بل التوسط بينهما؛ قال تعالى: ﴿وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: 110].
2. الإنفاق:
من صفات عباد الرحمن أنهم مقتصدون في الإنفاق قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ [الفرقان: 67].
فلزوم الاعتدال في هذا المجال مطلوب قال تعالى: ﴿وكلوا واشربوا ولا تسرفوا﴾ [الأعراف: 31].
هذا مقياس الاستمتاع بالطيبات، ولا يقتصر الأمر على المآكل والمشارب، بل يشمل عناصر المعيشة جميعًا؛ كاللباس، والأثاث، والمركب ونحو ذلك.
3. الحب والبغض:
كثيرا ما تكون المشاعر ميدانا للغلو في الحب والبغض، فتجد الناس لا يلتزمون الاعتدال إذا أحبوا أو أبغضوا، وهي دعوة للاعتدال في الحب والكره؛ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: «أَحبب حبيبك هونا ما عسى أَن يكون بغيضك يوما ما وأبغض بغيضك هونا ما عسى أَن يكون حبيبك يوما ما» [سنن الترمذي].
4. التدين:
المسلم متدين بالفطرة، لكنه تدين معتدل منضبط بضوابط شرعية تمنعه من الغلوِّ، إنه تدين يراعي الطبيعة البشرية وضعفها وطاقتها المحدودة، فلا تكلف فيه ولا عنت، وقد نهى النبي ﷺ الصحابة الذين تشددوا في العبادة إلى درجة هضم حقوق النّفس والزوجة، ودعاهم إلى التزام سنته المتسمة بإعطاء كل ذي حق حقه ؛ أي: بالاعتدال، قال ﷺ: «إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا» [رواه البخاري].
5. المرأة:
حين ابتعد كثير من المجتمعات المسلمة عن أحكام الشريعة، أصبحت المرأة مصدر مشكلات لا تحصى. وبابا يلج منه أعداء الإسلام بمكر ودهاء
والإسلام ينظر إلى المرأة على أنها إنسان مكرم كالرجل، منضبط بأحكام الشرع مثله في إطار خصوصيات الذكر والأنثى. وبهذه النظرة المعتدلة يبقي الرجل رجلا والمرأة امرأة، يؤديان وظائفهما بشكل طبيعي.
الاعتدال كله خير، لكني أتكلم عن الاعتدال المنبثق من نصوص القرآن الكريم والهدي النبوي. ومقاصد الشريعة. والرؤية الإسلامية الأصيلة. وهو الالتزام الواعي بدين الله، لا إفراط فيه ولا تفريط.
فاللهم صل صلاة كاملة، وسلم سلاما تاما علي نبي تنحل به العقد، وتنفرج به الكرب. وتقضى به الحوائج، وتنال به الرغائب، وحسن الخواتيم. ويستسقى الغمام بوجهه الكريم، وعلى آله .