البكاء بين يدي الربيعين
كتب / شريف محمد
أتاكَ الربيعُ الطَلقُ يختالُ ضاحــــكاً
من الحُسنِ حتى كادَ أن يتكلّمَ
وقد نبّه ( النيروزُ) في غَلسِ الدُجى
أوائلََ وَردٍ كُنّا بالأمسِ نُوّمَـــــــا
هكذا عبّر ” البُحتري ” العربي عن قدوم الربيع، وعيده عند ( الفُرس) ، والبحتري إذ ذاك بين ظهراني علماء الفقه والحديث وكبار أصحاب المذاهب ، لكنه رغم إسلاميته عبّر عن جمال الطبيعة ، تلك الطبيعة الجميلة لبلاد فارس ، وبلاد الرافدين ( العراق) ، فلم يخرج عليه صاحب مذهبٍ ديني بالتكفير أو التأنيب أوالنهي أو التجاهل أو التحريم ، بل تم تصنيف هذا البيت كأجمل ما قيل في وصف الربيع ؛
ذلك القبول للآخر أياً كانت اعتقاداته ، حمل مشاعل حضارة تلك الأمة لأبعد مكانة ، جعلها تمنح ، وتكتسب، تُعلّم ، وتتعلّم ، فالجميع شعروا بالمواطـــــنة بين جنبات تلك البلاد العربية الدافئة، فانطلق الإبداع فالبناء ، والتجديد ، فالاختراعات ، هكذا كان الأجداد .
..واليوم يُطل الربيع مع أعياد ( القيامة ) أو ( عيد الفٌصح ) ، كما هو الحال كل عام ؛ ويُطل للأسف معه نفس السؤال لكسر عصى الوطنية المصرية الحقة: هل نحتفل بأعياد الربيع أم لا؟، هل نقول لأهالينا في مصر من المسيحيين كل سنة وأنتم طيبين أم لا؟ ؛
ولا رد على هؤلاء إلا تلك الأبيات للبحتري ، الذي احتفل بالربيع ، العيد الفارسي وهو المسلم، ولم يُعارضه الأئمة وكبار ( المُحدثين ) .
ويزيد البعض الطين بِلة عندما يُعلن أنه عيد فرعوني قديم ، والاحتفال به إحياء لذكرى الفراعنة الأجداد، فكأن العقل المُعارض طفل ساذج نحتال عليه ، فكيف تقبل الاحتفال بعيد لجماعاتٍ وحضاراتٍ لا كتابية ، ونحاول الفِرار من الشريك الكتابي (الذِمي ) في الوطن.!!!
إنّ دُعاة هذهِ الصيحات العنصرية ليسوا من بلادنا التي لها طبيعة تختلف عن كل ما حولها ، ومع هذا عندما عصف الانفتاح ببلادهم ، تجد التظاهرات الاحتفالية متواصلة ، ويرتاد بلادهم الغريب واللاديني ، أكثر من المتدين الملتزم ، وصار للربيع عندهم مواسم .
لا تدعوا أنفسكم يأكلكم التعصب ،لتعيشوا في وهم لا وجود له، بذور من الانقسام تتغلغل جذورها في تربة هذا الوطن لتُنبت الأشواك بدلا من الثمار ، لتشعل نيران الفتنة ، بدلا من أن تعالج أمراض الانقسام .
إن الأمر هَين لا تعقيد فيه ، تفرضه أصول الحياة القويمة، وتستدعيه قوانين المواطنة الهادئة.
وكل عامٍ ونحن جميعاً كلنا بخير ومصرنا في محبة ورخاء واستقرار .