الحكم على الملازم المجهول في قضية الإخلال بواجبات الوظيفة: وكيف كانت دفوع الادعاء وأسباب الاتهام؟
كتب: د/ أحمد مقلد
في عالم مليء بالتحديات والمفاجآت، تبدو القواعد أحياناً كوحي من السماء، تهدف إلى توجيهنا وحمايتنا. لكن ماذا لو كانت الحقيقة أن أحياناً، الابتكار والجرأة في تحدي هذه القواعد والتي تميز بين النجاح والفشل؟
وكان الاختبار داخل ولاية نيويورك بدولة الولايات المتحدة الأمريكية، حيث اندلعت فاجعة ضخمة. وهنا كان الصراع بين الالتزام بالقواعد المعمول بها وبين الحاجة الملحة لتحقيق التغيير. ويتضح لنا أن البحث عن الحقيقة ودعم الإبداع يتطلبان أحياناً إحداث تحولات جريئة، وإن تطلب ذلك مواجهة القواعد الراسخة.
وها هي قصة ملازم شجاع، أجاد في تحقيق المستحيل، لكنه وجد نفسه في مواجهة تحقيق آخر، هذه المرة داخل قاعات القضاء. هل سينجح في إثبات صوابه؟ وهل سيتمكن من تحقيق التغيير الذي يعتقده بقلبه وعقله؟
دعونا نتابع سوياً هذه القصة الشيقة التي ترسم لنا دروساً قيمة حول الإيمان بالتغيير والجرأة في تحدى القواعد، لتشق طريقاً نحو عالم مليء بالإبداع والتطور.”
ولكون الباحث عن الحقيقة والداعم للإبداع لابد له من معرفة قواعد النجاح والفكر الخلاق النابع من تجارب وخبرات كبيرة، وربما تصدمنا قسوة تعامل الكثيرين ممن كان يميزهم جمود الفكر وإنكار قبول التغيير في زمن أصبح فيه التغير واقعاً ملموساً وأمراً مألوفا بشكل لحظي وبدون مقدمات أو بمقدمات فالنتيجة دوما تغير الشكل والمضمون، وبما أن العلة تدور مع معلولها فإن حقيقة قبول التغيير تتطلب قدراً من سرعة البديهة والاستعداد الفطري للمبادرة من أجل تحقيق أعلى النتائج بأقل وقت وبما يتزامن مع ما يصاحب الحدث من تغيرات مفاجئة وغير متوقعة، ولكي أوثق الفكرة وأظهر حقيقة المعنى فدعونا نسافر لدولة سابقة في فكرها وتقدمت بفكر من سكن فيها وبفضل هجرة العقول إليها وكيف لا وقد ذاع عنها أنها أرض الأحلام وهي الدولة التي تراود كل شاب أن يزورها ويشاهد ما وصلت له من تقدم علمي وإبداعي وفق ما توجه وسائل الإعلام عنها؟! نعم هي أمريكا وبالتحديد من داخل ولاية نيويورك، وتدور أحداث القصة حول فاجعة ضخمة حيث اندلعت حريق ضخم بإحدى المباني العملاقة، وبالطبع فإن العمل الناجح لا يكون الا بالالتزام بالقواعد وطبقا لإجراءات إدارة إطفاء نيويورك والتي تنص على أنه يجب على طاقم الإطفاء وضع السلم على الواجهة الأمامية للمبنى المحترق قبل فعل أي شيء آخر.
وبالطبع كانت تلك هي القاعدة الأولي التي يجب تطبيقها إذا شب حريق، ولكن المفاجئة فيما سيأتي من أحداث فأعيروني القلوب والأسماع، وهنا تتعالي أصوات سيارة الإطفاء معلنة وصولها لموقع الحريق، وفي ذات اللحظة تتصاعد صيحات الأبرياء لتعلن عن خوفها وآلمها لهذا المشهد المؤلم، وحين وصلت فرقة الإطفاء، لاحظ الملازم المكلف بالمهمة أن النيران تشتعل في مؤخرة المبنى، ففكر رويداً محدثاً نفسه كيف أضع السلم في مقدمة المبني، والمطلوب إطفاء المبني من الخلف وأخذ يراود نفسه هل يضيع الوقت في وضع السلم على الواجهة الأمامية للمبنى حسب الإجراءات، أم يعطي أمره لرجاله بالتوجه إلى مؤخرة المبنى لإطفاء النيران المشتعلة؟
نعم هي الحيرة التي تستوجب الإختيار الدقيق في زمن صعب وتوقيت لا يحتمل التأخير في إتخاذ القرار الملائم لواقع الأزمة وهنا قرر الملازم أن يتم إطفاء النيران بسرعة وبأدنى حد من الخطورة مع إنقاذ حياة العديد من المعرضين للاحتراق.
وقد نجح في مهمته وأحتفل به الناس باعتباره بطل جماهيري نجح في دفع الخطر عنهم وبدون اضرار تذكر ولم يتسبب في ضرر لأي من المباني المحيطة.
لكن بالطبع هذا النجاح يتعارض مع القواعد التي قد حددتها الإدارة لذا قام أحد مراقبي إدارة الإطفاء، والذي كان موجوداً في المنطقة لمتابعة إجراءات التنفيذ وخطوات متابعة الحل لتلك الأزمة وفق القواعد المنظمة لهذا النوع من المهام، حيث كانت وظيفته التأكد من أن الأمور تسير حسب الإجراءات المتبعة، وبالطبع فقد لاحظ هذا المراقب عدم التزام الملازم المكلف بالمهمة بواجبات وظيفته ولم يحترم القواعد المنظمة لعمله وقد عرض حياته وحياة زملائه للخطر نتيجة عدم الالتزام بالقاعدة الأولى لتنفيذ المهمة وهي وجود السلم على واجهة المبنى المحترق، ويدافع حرصه على أداء وظيفته في وصف الأداء وفق ما تم وضعه من قواعد منظمة تضمن سلامة الأفراد وحماية المنشآت وتدعم حماية المباني من إنتشار الحرائق وتمددها للمباني المجاورة ولهذا وجب الاهتمام بتطبيق تلك القواعد المنظمة لسير العمل باعتبارها بروتوكول معتمد للتعامل مع كل حالة على حدي، ولكون هذا الملازم قد خالف القواعد ولم يلتزم بها فقد بدأ المراقب في اتخاذ إجراءات تأديبية ضده، وهنا تدخلت نقابة عمال الإطفاء لتدافع عن هذا الملازم الذي يتم التحقيق معه ويرغبون في معاقبته رغم نجاحه في مهمته وحمايته لسلامة المواطنين والمنشآة من خلال إطفاء الحريق في زمن قياسي، ونتيجة عدم إقتناع المراقب وجهة العمل بهذه المبررات والتي منعت تنفيذ إحدى أهم التعليمات، وبما يمثل جريمة تستحق العقوبة نتيجة رفض تطبيق القواعد والقوانين التي تشير بها هذه الإدارة والمشهور عنها الصرامة في تنفيذ التعليمات من أجل تحقيق الحماية والأمان للمواطنين وممتلكاتهم.
وقد دارت الازمة في أروقة القضاء.
وفي أثناء جلسات المرافعة وجه محامي الدفاع سؤالاً واضح، وصارم للملازم عن سبب وضع هذا الإجراء في الكتاب الخاص بالتعليمات. فلم يعرف أحد الإجابة، حتى رئيس الإطفائية نفسه.
ولكون القضية قد أصبحت موضع اهتمام الرأي العام فقد تم إحضار محامي الدفاع لمؤرخ يوثق شهادته في مضبطة الجلسة وأمام القاضي فيقول بصوت متثاقل يحمل في طياته إحساسه بالقلق نتيجة عدم تعوده أن يكون في مثل هذه المواقف خاصة وأنه رجل مسن وقد ظهر عليه علامات التقدم بالعمر وقد حفرت النظارة الطبية موضعها في وجهه، وأظهرت بصمتها على وجهه وقد بانت خطوط الزمن لتسطر من تجاعيد الوجه ما يوثق التقدم بالعمر، وبالطبع الجميع ينتظر ما سيقوله هذا المؤرخ ليوثق شهادته وكيف سيظهر حقيقة الأمر، وهل لديه تفسير أو مبرر لفعل هذا الملازم، أم أنه سيكون في جانب المراقب وتعليمات جهة العمل، وهنا يبدأ المؤرخ في الحديث بعد أن طلب القاضي منه ليبدأ شهادته والتي قال فيها، بأنه قبل حوالي قرن من الزمان لم يكن في مدينة نيويورك عمال إطفاء يعملون بدوام كامل، وكانت فرق الإطفاء كلها من المتطوعين، وكانت شركة التأمين تدفع فقط نفقات فرقة واحدة وهي أول فرقة تصل إلى مكان الحريق وحتى يمكن لشركة التأمين أن تتعرف على الفرقة التي تصل أولاً؟ فكان يجب على الفرقة التي تصل أولاً أن تضع سلمها على واجهة المبنى كدليل يثبت وصولهم قبل غيرهم.
وظل هذا الأمر متعارف عليه لسنوات طويلة حتى بعد نهاية فرق الإطفاء المتطوعة، وبالطبع لم يناقش أحد أمر تعديل الإجراءات في دليل الإطفائية، ولم يتبادر لذهن أحد من العاملين أن يسأل: لماذا نتبع هذا الإجراء؟!
ولكون هذه القصة ليس غرضها التندر أو قص أقصوصة من زمن مضى ولكن القيمة في التغيير لا تأتي الا بجهد الإقناع بيقين الحقيقة وإثبات حجية ضرورة التغيير وضمان سلامة وسائل التعبير عن هذا الواقع الجديد رغم ما يراه البعض انه يتعارض مع واقع لا يجب تغييره فقد توارثناه كما هو بدون تغيير فلماذا نسعي لتغييره، وليس مطلوب من الجميع أن يبادر بأفكار جديده، لكن يجب أن نفكر بشكل أكثر قابلية لتحقيق منافع متبادلة تفيدنا وتفيد غيرنا، لذا كن دوما مبادرا للفعل متجاوزا عن قول المحبطين وفعل الجاهلين فالحقيقة الوحيدة أنك من تملك الرغبة والقدرة لتحقق الواقع الأفضل وتدعم تغيير مكانك ومكانتك وفق ما تقدر به ذاتك ووفق ما تحققه من تقدير الآخرين لدورك ولفعلك، وبالطبع سيظل الفعل والفاعل والمفعول أسباب تكوين الفكرة ودراسة نتيجة تحققها، من أجل تعزيز الواقع بجهد اليقين وسلامة الفكرة وعمق الرغبة في التطوير من أجل خلق بيئة إبداعية داعمة للتغيير بدون إقصاء أو تضييق لكل من يرغب في التعبير عن رأيه ويدعم فكرته.
وهكذا، ستظل الحياة ترسم لنا لوحات ملهمة من خلال قصص الشجاعة والإبداع. فقد تعلمنا من هذه القصة أن النجاح لا يأتي إلا للذين يجترحون حدود القواعد ويتجرأون على تغيير الواقع. ممن يدفعون بإيمانهم وشغفهم نحو بناء عالم مستقبلي يشع بالإبداع والتجدد.
لذا، فلنستمر في تحدي الصعاب واستكشاف آفاق جديدة، حتى نكون داعمين للحقيقة ومروجين للتغيير. وهذه هي الطريقة التي تجعلنا نحقق الإنجازات العظيمة حتى نترك بصمتنا في هذا العالم المتجدد.”