الدوحة الرابعة عشر ” رمضان والدعاء ” بقلم : د . ياسر أحمد العز
إن شأنَ الدعاءِ عظيم . و نفْعَهُ عميم، و مكانتَه عاليةٌ في الدين، فما استُجْلِبت النعمُ بمثله ولا استُدْفِعت النِّقَمُ إلا به. ذلك أنه يتضمن توحيد الله، وإفراده بالعبادة دون سواه، وإن شهرَ رمضانَ فرصةٌ سانحة. ومناسبة كريمة مباركة يتقرب فيها العبد إلى ربه بسائر القربات، وعلى رأسها الدعاء؛ ذلكم أن مواطن الدعاء. ومظانّ الإجابة تكثر في هذا الشهر؛ فلا غَرْوَ أن يُكْثِر المسلمون فيه من الدعاء لربهم فيما يأملون ويرجون.ولعل هذا هو السر فى أن آية الدعاء جاءت بين آيات الصيام.
مدي قرب الله لعباده:
قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [ فهذه الآية متوسطة لآيات الصيام؛ لتبين حقيقة ألاوهي: أن المسلم في هذا الشهر الكريم ينبغي أن يلح في الدعاء على ربه؛ منتهزا شرف الزمان وشرف العبادة التى يؤديها. وهذا هو الذى حدا برسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول (للصائم عند فطره دعوة لا ترد) أي: أنها من الدعوات التى يستجيبها الله عزوجل .
والدعاء هو أن يطلبَ الداعي جلب ما ينفعُه وكشف مايضُرَّه. وحقيقته هى إظهار الافتقار إلى الله والتبرؤُ من الحول والقوة والطول والدعاء هو سمةُ العبوديةِ. وفيه استشعارُ الذلةِ البشرية، وفيه معنى الثناءِ على الله عز وجل وإضافةِ الجود والكرم إليه.أما فضائلُ الدعاءِ، وثمراتُه، وأسرارُه فلا تكاد تحصر، فالدعاءُ طاعةٌ لله. وامتثال لأمره، قال تعالى: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم).والدعاء عبادة، قال النبي صلى الله عليه وسلم “: (الدعاء هو العبادة) بصرف النظر عن استجابته أو عدمها (عن هلال بن يساف قال: بلغني أن العبد المسلم إذا دعا ربه فلم يستجب له كتبت له حسنة )والدعاء سلامة من كبر النفس وغرورها.
قال تعالى: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين). والدعاء سلامة من العجز، ودليل على الكَياسة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أعجز الناس من عجز عن الدعاء. وأبخل الناس من بخل بالسلام). (ويقول الصادق المصدوق أيضا:لا تعجزوا عن الدعاء فإنه لن يهلك مع الدعاء أحد) والدعاء دليل على حسن التوكل على الله، فسرُّ التوكلِ وحقيقتُه هو اعتمادُ القلبِ على الله، وفعلُ الأسباب المأذون بها.
قيمة وعظمة التجلي بالدعاء:
وأعظم ما يتجلى هذا المعنى حالَ الدعاء؛ فالداعيَ يأوي إلى ركن شديدٍ ينزل به حاجاتِه. ويستعين به في جميع حالاته وتقلباته ؛ وبهذا يتخلص الداعى من أَسْر الخلق ورقِّهم. وقيدهم ومنتهِم، ويقطعُ الطمعَ عما في أيديهم، وهذا هو عين عِزِّهِ، وفلاحِه. (عن حبيب بن أبى محمد قال: الدعاء هو الترياق المجرب وعن محمد بن حامد قال: قلت لأبي بكر الوراق: علمني شيئا يقربني إلى الله تعالى ويقربني من الناس. فقال: أما الذي يقربك إلى الله فمسألته، وأما الذي يقربك من الناس فترك مسألتهم…والدعاءُ أكرمُ شيءٍ على الله. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس شيء أكرم على الله _عز وجل_ من الدعاء). والدعاء سبب لدفع غضب الله ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : (من لم يسألِ اللهَ يغضب عليه).ولله ما أروع قول القائل/
وإذا رميتَ من الزمان بشدة ** وأصابك الخطب الأشـق الأصعـب** فاضرعْ لربّك ما استطعت فانه ** أدنى لمن يدعـوهُ مـن حبـلِ الوريـدِ وأقـربُ
لا تـسـألـن من ابن آدم حـاجـة ** وسل الـذي أبـوابـه لا تحـجـب ** الله يغضب إن تركت سـؤالـه ** وبنى آدم حـين يسـأل يغضـب