الدين معاملة

الدوحة السابعة والعشرون ” زكاة الفطر بين القيمة والطعام ” 

الدوحة السابعة والعشرون ” زكاة الفطر بين القيمة والطعام “ 

الدوحة السابعة والعشرون " زكاة الفطر بين القيمة والطعام " 
د. ياسر أحمد العز

بقلم : د. ياسر أحمد العز

  اختلف أهل العلم سلفاً وخلفاً في حكم إخراج القيمة في زكاة الفطر على قولين مشهورين  أولهما أن المسلم يلزمه إخراج زكاة الفطر من  قوت بلده طعاما ولا يجزئه إخراج القيمة لأنها من العبادات المحضة لله كالصلاة ومعلوم أن الأصل في العبادات التوقيف وليس إعمال الفكر والرأي فيجب الوقوف عند حدود النص في هذا لأنه نص تعبدي ويؤيد هذا الأمر أن الدراهم والدنانير – نقصد القيمة- كانت موجودة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينص عليها .. وثاني الآراء ( وهو  الصواب) هو ما ذهب إليه أصحاب كثير من الفقهاء من جواز إخراج القيمة في زكاة الفطر وغيرها من الزكوات وهو مذهب الأحناف وعطاء والحسن البصري وعمر بن عبدالعزيز والثوري وهو الظاهر من مذهب البخاري في صحيحه يقول ابن رشيد: وافق البخاري في هذه المسألة الحنفية مع كثرة مخالفته لهم لكن قاده إلى ذلك الدليل. قال أبو إسحاق السبيعي – وهو أحد أئمة التابعين- : أدركتهم وهم يؤدون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام . 

وإنما لا نقول بجواز هذا الرأي وفقط بل باستحبابه لقوة أدلتهم التي سلمت من النقد والتي تتماشى مع روح الشريعة ومقاصد الشارع ومصلحة الفقير

 الاستدلات المرجحة في ذلك لأصحاب هذا الرأي:

 أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة  أنه نص في تحريم دفع القيمة ومعلوم أصوليا أن الأصل في الأشياء الإباحة مالم يرد نص يفيد التحريم..

كما أن  الأحاديث الواردة في النص على أصناف معينة من الطعام لا تفيد تحريم ما عداها بل يدل على أنها كانت هي الأصناف الغالبة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأنه قد ذكرها كنموذج تقريبي لشيوعها وكذا تسهيلا عليهم ولأنها كانت بمثابة مقايضة بيعية. وهو ما تعارف عليه الناس قديما ببيع سلعة بسلعة فقد كانت هذه الأصناف طعاما وثمنا في نفس الوقت والدليل  على ذلك أن الصحابة -رضي الله عنهم- أجازوا إخراج القمح -وهو غير منصوص عليه- عن الشعير والتمر ونحو.

ذلك من الأصناف الواردة في الأحاديث.لأنهم رأوه معادلاً في القيمة للصاع من التمر أو الشعير، ولهذا قال معاوية: إني لأرى مدين من سمراء الشام تعدل صاعًا من التمر فهم بذلك قدروه بالقيمة. ومن الأدلة على استحباب إخراج زكاة الفطر مالا أن النبي صلى الله عليه وسلم .قال: أغنوهم -يعني المساكين- في هذا اليوم  والإغناء يتحقق بالقيمة كما يتحقق بالطعام فالمقصود هو إغناء الفقراء والمال أنفع لبعضهم من الطعام فيعتبر في ذلك حال الفقير في كل بلد فكثير من الفقراء يأخذ الطعام ويبيعه في يومه أو غده بأقل من ثمنه فلا هو الذي انتفع بالطعام ولا هو الذي أخذ قيمة هذا الصاع بثمن المثل.

زكاة الفطر واستحباب الاصناف الواردة في إخراجها: 

ومما يعضد استحباب إخراج زكاة الفطر قيمة ونقدا أن هذه الأصناف الواردة في الحديث. بشأن زكاة الفطر ليست مقصودة لذاتها. بل يُجزئ عند جمهور الفقهاء إخراج صدقة الفطر من غالب قوت البلد فعلم من ذلك أن أصناف زكاة الفطر التي ذُكِرت في الحديث ليست واردة على سبيل الحصر حتى لا يجوز غيرها. وإنما كانت غالب أقوات البيئة العربية حينئذ فجاء ذكرها في الحديث تعبيرا عن الغالب من أقوات الناس في تلك الفترة. وهذا لا ينفي غلَبة بعض الأقوات على بعض المجتمعات دون بعض وفي بعض الأزمنة دون بعض.  ومن الاستدلات المرجحة لإخراج زكاة الفطر ما ذكر عن بعض التابعين أنه يُجزِئ إخراج القيمة في صدقة الفطر.

فقد روي عن عمر بن عبد العزيز أنه كان يأخذ القيمة في زكاة الفطر.ولما روي عن طاووس أنه قال: “لما قَدِم معاذ اليمن. قال: ائتوني بعَرْض ثيابكم اخذه منكم. مكان الذرة والشعير. فإنه أهون عليكم. وخير للمهاجرين بالمدينة. وروي عن عطاء قال: كان عمر ـ رضي الله عنه ـ يأخذ العُروض في الصدقة من الدراهم”، وروي عن الحسن البصري قال: “لا بأس أن تعطى الدراهم في صدقة الفطر”. وعن أبي إسحاق. قال: “أدركتهم ـ

صفة تأدية الزكاة كما ورد عن رسول الله :

يقصِد أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهم يؤدّون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام. وروي عن عطاء: أنه كان يعطي في صدقة الفطر دراهم. فحجة القائلين بإجزاء القيمة في هذه الصدقة آثار الصحابة ومن دونهم من التابعين وإن صح المرويُّ. عن الصحابة فإنه يكون بمثابة المرفوع إليه صلى الله عليه وسلم . لأن هذا الأمر لا مجال فيه للرأي فالأشبه أن فعل معاذ وعمر وسائر الصحابة رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم، من قَبُول القيمة أو إعطائها في الصدقة كان أمرا توقيفيا

كيفية تقدير زكاة الفطر: 

 ثم إن الحاجة العصرية للفقراء إلى تقدير زكاة الفطر بالقيمة تَفُوق حاجتهم .إلى أي أجناس الصدقة بالطعام.  ولو كان مما يَغلِب اقتياته وقول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: “اغنُوهم ـ أي المساكين ـ عن السؤال في هذا اليوم يقتضي إشباع حاجتهم فيه وإشباع حاجتهم لا يكون بالطعام فقط فقد يكون بهم حاجة إلى كساء أو دواء.  أو نحو ذلك .ودفع الأطعمة إليهم لا يفي بمثل هذه الحاجات.فكان في دفع القيمة إليهم تحقيقًا لهذا الإشباع وامتثالًا لما أمر به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ

هذا وقد أجازت دار الإفتاء المصرية إخراج زكاة الفطر مالا وقالت إن ذلك هو الأفضل. وأضافت عبر منشور على صفحتها الرسمية  أن  المنصوص عليه في زكاة الفطر طعاما إنما أتى. من كونه مالا متقومًا على الإطلاق. لا من كونه عينا فيجوز أن يعطي المزكي عن جميع. ذلك القيمة: دراهمَ أو دنانير أو فلوسًا أو عروضا أو ما شاء. واختتمت فتواها بالتأكيد أن الذي نختاره للفتوى. ونراه أَوفَقَ لمقاصد الشرع وأَرفَقَ بمصالح الخلق هو جواز إخراج زكاة الفطر مالا مطلقا. وهذا مذهب كثير من الفقهاء وبه العمل والفتوى عندهم وعندنا في كل زكاة وفي الكفارات والنذر  وغيرها..

سعيد المسلماني

مساعد رئيس تحرير الموقع
زر الذهاب إلى الأعلى