الذميمة في المجتمع ( آكلة لحوم البشر)
بقلم الشيخ: محمد رمضان الأزهري
عالم من علماء الأزهر الشريف
لقد علمنا القرآن الأخلاق، وربانا عليها، وإن الناس لو تمسكوا بها لما رأيت فسادًا ولا خصامًا ولا شجاراً بينهم ، وإن هناك خُلقاً ذميماً حذرنا الله منه أشد التحذير ألا وهو خُلق الغيبة ، قال الله تعالى (( يا أيها الذين ءامنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضًا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم )).
لقد شبه الله تعالى من يغتاب أخاه كأنه أكل لحمه وهو ميت ، فهل يستطيع أحدنا أو يقبل أن يأكل من جيفة أخيه الميت ؟! وجاء في الحديث الذي رواه أبو داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قيل يا رسول الله ما الغيبة ؟ قال : ( ذكرك أخاك بما يكره . قيل : أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال عليه الصلاة والسلام: ( إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته ، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته ) .
إن الغيبة هي : أن تذكر أخاك بما يكره ، سواء ذكرت نقصانا في بدنه أو في لبسه أو خلقه ، أو فعله ، أو قوله ، أو دينه ، أو دنياه ، أو في ولده ، أو ثوبه ، أو داره ، أو مركبه . والصحيح أنها تقتصر على القول فقط ، بل تجري في الفعل كالحركة والإشارة والكناية.
ولا ننسى أبدا درسا من الدروس المستفادة من رحلة الإسراء والمعراج والتي كنا نحتفل بها منذ أيام قليلة. وهي وأن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في رحلة المعراج السماوية رأى من آيات ربه الكبرى مصداقا لقول الله تعالى له في سورة النجم (( لقد رأى من آيات ربه الكبرى )) فرأى أقوام لهم أظافر من نحاس يخمشون بها صدورهم ووجوهم وكلما خمشوا صدورهم. ووجوههم عادت كما كانت فسأل الرسول صلى الله عليه وسلم رفيق الرحلة جبريل عليه السلام فقال من هؤلاء ؟ فقال له يارسول هؤلاء أناس من أمتك يقعون في أعراض الناس. وفي أعراض العباد هذا جزاءهم قد أعده الله لهم يوم القيامة
إننا لو نظرنا إلى مجالسنا اليوم فإنها تكثر فيها الغيبة. وهي كبيرة من الكبائر وعظيمة من العظائم ، التي تغضب الله تعالى. وإن الشيطان يمر على المجالس فيرى فيها الغيبة ويزينها للناس ، إن المغتاب يهدي الرجل الذي اغتابه من حسناته
إن للغيبة أسبابًا وبواعث كثيرة نذكرها لنحذر من مداخلها علينا ، منها : شفاء المغتاب غيظه بذكر مساوئ من يغتابه. منها : مجاملة الأقران ومشاركتهم فيما يخوضون فيه من الغيبة ومنها :
ظن المغتاب في غيره ظنا سيئا فذلك مدعاة لغيبته ومنها : أن يبرئ المغتاب نفسه من شئ وينسبَه إلى غيره أو يذكر غيره بأنه مشارك له ومنها : حسد من يُذكر بخير ويثني عليه من قِبل الناس. ومنها : الاستهزاء. والسخرية وتحقير الآخرين. ومنها : قلة إيمان المغتاب وقلة ورعه وغفلته.
وكلُ هذه الأسباب يستغلها الشيطان لتكون مداخل لهذه الكبيرة العظيمة ألا. وهي الغيبة إن الغيبة مرض خطير وداء فتاك ومعول هدام. وسلوك يفرق بين الأحباب. ويغطي محاسن الآخرين ، وبذرة تنبتُ شروراً بين المجتمع المسلم ، وتقلب موازين العدالة والإنصاف إلى الكذب والجور .
إن علاج هذا المرض لا يكون إلا بالعلم والعمل ، فإذا عرف المغتاب أنه يتعرض لسخط الله بسبب هذه الغيبة فإنه يراجع حساباته ليبتعد عنها
ومن تلك المحاسبة شعور من يغتاب بأنه حسناته التي عملها في الدنيا من صلاة وصوم وزكاة وصدقة وتلاوة للقرآن وحج وجهاد ودعوة وغيرها ، قد توزع هذه الأجور العظيمة والحسنات الكثيرة لأناس كان قد تعدي عليهم بغيبة أو غيرها في الدنيا ؟
وقد قيل أن الغيبة هي سلاح الجبان ، لأن غير الجبان بخلاف الجبان ، والواجب على المسلم أن ينصح ويستر . ألا فلنتق الله في ألسنتنا وأقوالنا وأعمالنا ولْيَسلَمِ المؤمنون من أيّ أذية منا حتى لا نكون من المفلسين يوم القيامة
فعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله: ((يامعشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان في قلبه ، لا تغتابوا المسلمين ، ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته ، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته )) أخرجه أبو داود فالواجب علينا أن إذا وجدنا في أحد المسلمين عيبًا سترناه ، أو نقصاً كمَّلناه ، لا أن نجعل منه حديث مجالسنا ، ومنتدى مسامرنا
فالذي يغتاب الناس يناله العذاب في القبر قبل الاخره فعن أبي بكره رضي الله عنه قال : مر النبي صلى الله عليه وسلم يقبرين فقال : إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير . أما أحدهما فيعذب في البول ، وأما الآخر فيعذب في الغيبة )
قال الفاروق عمر رضي الله عنه: عليكم بذكر الله تعالى فإنه شفاء. وإياكم وذكر الناس فإنه داء وروي عن الحسن أن رجلًا قال له : إن فلاناً قد اغتابك فبعث إليه رطباً على. وقال : قد بلغني أنك أهديت إليَّ من حسناتك فأردت أن أكافئك عليها فاعذرني فإني لا أقدر أكافئك على التمام.