السحر في ميزان الشريعة.. نظرة العلماء وتحذيرات رجال الدين

كتبت / دنيا أحمد
يُعد السحر من القضايا الغيبية التي تناولها الإسلام بوضوح، نظرًا لما فيها من أذى عظيم للناس، وتعدٍ على العقائد والنفوس والعلاقات.
وقد ورد ذكر السحر في القرآن الكريم في مواضع عديدة، كما حذّر منه النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ووصفه بأنه من السبع الموبقات – أي المهلكات – لما فيه من فساد كبير وتعلّق بالشياطين وابتعاد عن التوكل على الله.
وفي ظل انتشار بعض مظاهره في المجتمعات المعاصرة، سواء في السر أو العلن، ازدادت أهمية توعية الناس بمخاطر السحر، وحكمه الشرعي، وطرق الوقاية منه، وهو ما حرص عليه علماء الإسلام ورجال الدين عبر العصور.
تعريف السحر:
السحر في اللغة: كل ما خفي ولَطُف سببه.
وفي الاصطلاح الشرعي: هو عزائم، ورُقى، وتعاويذ، وأعمال شيطانية تؤثر في القلوب والأبدان، فتمرِض وتُفرق وتُحبّب وتُبغّض، وقد يؤدي أحيانًا إلى الموت أو الجنون.
وقد دلّت النصوص الشرعية على أن للسحر حقيقة وتأثيرًا، وليس مجرد خيال أو وهم، كما ظن بعض الفلاسفة أو المفكرين.

أنواع السحر:
جاء تصنيف العلماء لأنواع السحر بناءً على تأثيره ومقصده، ومن أبرز أنواعه:
1. سحر التفريق: كالتفريق بين الزوجين أو أفراد الأسرة.
2. سحر المحبة (التِّوَلة): يُستخدم للتأثير على مشاعر شخص ليحب آخر بشكل غير طبيعي.
3. سحر المرض: يسبب آلامًا وأمراضًا عضوية بلا سبب ظاهر.
4. سحر الجنون: يُحدث اضطرابًا نفسيًا أو عقليًا لدى المسحور.
5. سحر التخيل: يُظهر أشياء للناس على خلاف حقيقتها (كما فعل سحرة فرعون).
6. سحر الأثر: يعتمد على استخدام شيء من أثر الشخص المسحور (شعر، ملابس، صورة…).
7. سحر العقد والنفث: كما ورد في سورة الفلق: “ومن شر النفاثات في العقد”، وهو نوع معروف يستخدم العقد والنفث مع تلاوة تعاويذ شركية.
حكم السحر في الإسلام:
أجمع العلماء على أن السحر محرم تحريمًا شديدًا، ويُعد من كبائر الذنوب.
بل إن بعض أنواعه تؤدي إلى الكفر، خاصة إذا اشتمل على الاستعانة بالشياطين أو تقديم قرابين لهم أو سبّ الدين أو اعتقاد الضر والنفع من غير الله.
وقد قال تعالى: “وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا، يعلمون الناس السحر…”
[البقرة: 102]
وقد جاء في الحديث الشريف:
“اجتنبوا السبع الموبقات…، وذكر منها: السحر.”
(رواه البخاري ومسلم)
موقف رجال الدين والعلماء من السحر:
رجال الدين على مر العصور حذّروا بشدة من السحر، وبيّنوا مخاطره في الدنيا والآخرة. وقد شددوا على أن اللجوء إلى السحرة أو تصديق الكهنة منكرٌ عظيم، وورد في الحديث:
“من أتى كاهنًا أو عرّافًا فصدّقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد.”
(رواه الترمذي)

كما أفتى العلماء بأن طلب السحر أو تعلّمه حرام، ولو كان بنية الفضول أو “التجربة”، لأنه يفتح بابًا للشيطان ويفسد العقيدة.
الوقاية من السحر بالطرق الشرعية:
الوقاية من السحر لا تكون بالسحر، بل بالرجوع إلى الله، والتحصن بالأذكار، ومن أهم الوسائل:
1. المداومة على الأذكار اليومية، وخاصة:
• المعوذات (الإخلاص، الفلق، الناس).
• آية الكرسي.
• أذكار الصباح والمساء.
2. قراءة سورة البقرة بانتظام في البيت، فقد ثبت أن الشياطين لا تدخل بيتًا تُقرأ فيه سورة البقرة.
3. الرقية الشرعية باستخدام آيات السحر والأدعية المأثورة.
4. الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، مع الإكثار من الاستغفار والدعاء.
5. الابتعاد عن الذنوب والمعاصي، فإنها تفتح أبواب الشر.
6. عدم تصديق المنجمين والعرافين والسحرة، مهما أظهروا من معرفة أو قدرات.
7. التوكل على الله واليقين بأن النافع والضار هو الله وحده.
فـ السحر من أعظم أسباب فساد العقائد والمجتمعات، وقد تصدّى له الإسلام بتحذير صريح، ودعا المسلمين إلى الاعتصام بالله والاعتماد عليه، ورفض أي شكل من أشكال اللجوء لغيره في قضاء الحوائج أو دفع الضر.
فلنكن حذرين، ولنحصّن أنفسنا وبيوتنا بذكر الله والتمسك بسنة نبيه، ولنُذكّر من حولنا أن الشفاء والرزق والنفع والضر لا يملكها إلا الله سبحانه وتعالى.






