السمو الإنساني في أبهى صوره وأجل معانيه
كتب: د. ماهر جبر
إزدانت وتلألأت عروس البحر المتوسط بمهرجان التذوق في دورته الثانية، بعد النجاح والتألق الذي حققه في دورته الأولى العام الماضي، لكن نجاح المهرجان ليس وليد يوم إنعقاده فقط، إنما هو نتيجة جهد ومثابرة وعمل دءووب ليل نهار لشهور سابقة عليه تمثل ذلك في كتيبة عمل من الطهاة البارعين والمحترفين اللذين أدلوا بكل خبراتهم لتقديم أنواع وأصناف رائعة من المأكولات بلغت مايقرب من 60 نوعاً، كما شهد المهرجان حدثاً فريداً من نوعه، وهو المسابقة التي جرت بين الأطفال ممن يجيدون فن الطهي فيما عرف بمسابقة الشيف الصغير فقدموا أنواعاً جميلة من الطعام.
هكذا يقف المهرجان في عامه الثاني على قدمين ثابتتين مؤكداً تفرده ونجاحه وإستمراره على الدوام، ورغم توقع الجميع أن يكون الفوز لصالح الأطباق الحاوية للأسماك، نظراً لشهرة ثغر الإسكندرية بها، وتفرده بكل أنواعها، إلا أن الفوز كان من نصيب طبق مكونه الأساسي لحم الضأن، شهد بذلك أعضاء لجنة التحكيم.
ومن المعروف والمعول عليه دائماً أن ثقافة الشعوب تتضح من نظامهم الغذائي ومما يأكلون، لذا فإنه كلما كان الطعام بسيطاً غير متكلف يحتوي على عناصر الغذاء الأساسية التي يتطلبها جسم الإنسان، كلما دل ذلك على ثقافة ووعي من جهزوه، وهذا هو المبدأ الذي أرساه المهرجان في دورته الثانية.
إذاً فالنجاح حليف لمهرجان التذوق بالإسكندرية منذ دورته الأولى في العام الماضي، لكن النجاح يقترن ويرتبط دائماً بكل ما يراعي الجانب الإنساني، ويخاطب في الناس مشاعر الحب والتراحم فيما بينهم، من هنا جاء القرار الذي إتخذته رئيسة المهرجان دكتورة دعاء نصر بإتخاذ شعار للمهرجان يسمو فوق كل الشعارات(1000 هنا)، فبينما يمتليء المهرجان برموز المجتمع ونجومه من الفنانين والصحفيين والطهاة وغيرهم، أنى لها أن تفكر في الفقراء والأكثر إحتياجاً، وتعلن عن تجهيز ألف وجبة وتوزيعها ليس على فقراء الإسكندرية فقط، بل في محافظات أخرى، فإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على نفس شفافة متواضعة محبة للجميع فحق لها أن تنال حب الجميع، وهذا عمل للخير في أبهى صوره وأجل معانيه، أن تطعم جائعاً فيشعر أن هناك من يسأل عنه ويهتم به، فلا ينفر من الحياة وتطيب نفسه ويحمل الحب والتقدير لمن ساعده وأشعره بأنه لم ينسى في خضم زحمة الحياة.
إن إطعام الطعام من شيم الكرام، وهو صفة حميدة، وعادة جليلة حث عليها الإسلام، منذ بزوغ فجره، ودعا الى بذله حتى تسود الألفة والمودة والحب بين الناس، كما أن هذا العمل يحبه الله ورسوله، جاء ذلك في آيات كثيرة منها قوله تعالى( ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا)، كما يقول رب العالمين في حديث قدسي يا عبدي إستطعمتك فلم تطعمني، فيقول يارب كيف أطعمك وأنت رب العالمين، فيقول إستطعمك عبدي فلان فلم تطعمه، أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم من مسح على رأس يتيم فله بكل شعرة من رأسه حسنة،
وإطعام الطعام يتعدى الى الطير والحيوان وسائر المخلوقات، فما بالنا بالإنسان، يقول صلى الله عليه وسلم إن في الجنة غرفاً ترى ظهورها من بطونها، وبطونها من ظهورها، قيل لمن يا رسول الله، قال لمن أطعم الطعام في الدنيا للفقراء والمساكين
فلنسعى في هذا الإتجاه وليشارك الجميع في هذا العمل حتى نجعل عدد الأسر المستفيدة الفان بل ثلاثة آلاف بل أربعة آلاف وليست واحدة، وكل طريق يبدأ بخطوة ثم ينتهي بآلاف الأميال، فما بالكم بطريق الخير سيقف الله بجانب من يمشي به ويجعل له من كل خطوة حسنة ويضاعف الله لمن يشاء كما يشاء.
وإن كان مهرجان التذوق في دورته الثانية بالإسكندرية هو تجمع لرموز المجتمع ونجومه فليكن تجمعهم على خير، وإن كان المهرجان قد حقق نجاحاً فاق كل تصور، فإن أبرز وأسمى نتائجه هو هذه الفكرة الراقية التي تعمل على ترابط المجتمع ونشر المحبة والسلام والتراحم بين أفراده، فسلام على كل من شارك في هذا المهرجان، فطوبى لكم أنى كنتم أو حللتم، تخطون بإذن الله مسرعين نحو النجاح في أعظم صوره، وأجل معانيه، وسلام كل سلام على صاحبة الفكر الراقي والقلب الكبير ورئيسة المهرجان دكتورة دعاء نصر.
وإن كنتم في نهاية فعاليات المهرجان الذي كرمت إدارته الفنانين وأعضاء لجنة التحكيم وقدمت لهم شهادات التقدير والكؤوس التي تحمل شعار المهرجان في دورته الثانية، غير أن أهم ما تكرمون من أجله ليس فقط ما قدمتموه من أطباق في المهرجان، إنما ما ستقدموه من وجبات للفقراء الأكثر إحتياجاً.
كل التحية والتقدير لكل القائمين على المهرجان، للأمام دائماً لفعل الخير، فسيكون النجاح حليفكم بلا شك.