“الطوفان…و…ريفولي” .. بقلم: شريف محمد

… منذُ أعوامٍ عِدة ساقتني قدماي للجلوس إلى ذلك المقهى المُلاصق لسينما (ريفولي) … ذلك اليوم من الصيف ، دفعتني أحلام الشباب للاستمتاع بمتابعة نهائي الكأس بين قطبي الكرة المصريين ، مرت الدقائق ممتعة، ومع الزفير الأخير لتلك الموقعة اجتاح الطوفان الأحمر غريمه بهدف صاروخي مُفاجئ ،لتنفجر حالة السكون في المقهى،ليس عن فرحةٍ لأحد الجُمهورَين فقط، بل عن عِراكٍ بين الحضور، ذاك العِراك الذي ترك نُدبةً في تلافيف الذاكرة لا تُنسى ، بطلها ذلك النادل(القهوجي) الذي أسرع برفع الأكواب الزجاجية، وزجاجات النراجل (الشيشة) من أمام الحضور، غير مكترثٍ للمتنازعين، مُغلِقاً التلفاز واضِعاً غطاءَهُ حائلاً له من أن تطاله المعركة، كل هذا في دقائق لايتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة، و إذا به مُجيباً على نظرتي المتسائلة : (رأس مالنا يا أستاذ، وواجبنا الحفاظ عليه…في رقبتنا عيال..)
هكذا يرى المصريون العِراك حدثٌ عابر يجب الخروج منه بأقل الخسائر ، لنحفظ الحياة للعيال ،فالمعركة لا بد لها من نهاية، لكن ما بعدها حياةٌ أُخرى.

نحنُ على أتم الاستعداد لخوض أي معركة فرضها علينا القدر، فنحنُ لا نتولّى يوم الزحف، وإنّ أمرَ اللهِ آتٍ ، فليجتاح (طوفان الأقصى) ما شاء أن يجتاح، و لتزأر وحوشه ،فكلنا معه ومعها..، لكن أن يضل أحدنا الطريق فيقتل من أمنّهُ وطنهُ عليهم، زعماً أنه طوفانٌ آخر، عفواً لقد أفسدتَ رأس المال،وحطّمتَ كل الأكواب، وأضررتَ بسمعة المكان ، بل و أضعفتَ البناء و ساكنيه، ولن تترك للعيال إلاّ الخراب و لكَ ولنا الخِزي، ولم تزد الطوفان إلاّ زَبَداً، فليتَ مُقترفَ حادثةَ الإسكندريةِ جلس لذلك (القهوجي) ليفهم منه كيف هي الأمور، وكيف يرعى المصريون أماناتهم.. فالطوفان يعرف طريقه، و الجميع معه لأنه يجتاح أوديته ليرفع عنها ظمأ الظلم الممتد طوال سنين، فتنمو براعمه، وتزدهر بعد الموات الحياة .. و ليتأكد الجميع أن أمر الله آتٍ فلا تستعجلوه، وأنه لن يكون الأول ولا الأخير ، ولنُعِد جميعاً العُدة ،ونحفظ وطننا و نرعى أبناءنا ، ولا نتفرّق في القول أو العمل فتذهب ريحنا ، وتضيع قوتنا ، ولنزداد عُدةً وعتاداً، حتى إذا جاء وعد الآخرة ، وفار التنور ، كنا الغالبين..