الظلم وشهادة الزور جريمتان في حق الإنسانية
بقلم : د. خالد السلامي
في زمن تتعالى فيه الأصوات المنادية بالعدالة والمساواة، يبرز الظلم كأحد أشد المفاسد التي تهدد نسيج المجتمعات وتعكر صفو الحياة الإنسانية. يتجلى الظلم بأشكال عدة، منها شهادة الزور وأكل أموال الناس بغير حق، وهما من الكبائر التي حذر منها الشرع وعظم عقوبتها، لما لها من آثار مدمرة تسمم الروابط الاجتماعية وتزرع الفتن والأحقاد بين الناس.
إن الظلم داء عضال ينخر في جسد الأمة، ويقوض أركان العدالة والمساواة بين أفرادها. وفي كل حالاته، يترك الظلم آثاراً نفسية واجتماعية خطيرة تؤثر على الأمان والاستقرار في المجتمعات.
إنه لمن المؤسف أن نرى البعض يتجرأ على أموال الناس فيأكلها بالباطل دون حق، أو يشهد زورا ليدحض الحق ويقيم الباطل، غير آبه بتحذير الله عز وجل ووعيده للظالمين. ألم يعلم هؤلاء أن الظلم ظلمات يوم القيامة؟ ألم يقرأوا قول الله تعالى: (وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) [البقرة:270]؟ إن الظالم يظلم نفسه قبل أن يظلم غيره، فيعرضها لغضب الله وعقابه في الدنيا والآخرة.
للظلم آثار وخيمة في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا يجلب الظلم غضب الله ويحل بالظالمين نقمته وعذابه. قال تعالى: (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ) [الزخرف:76].
وفي الآخرة للظلم عقوبة عظيمة، قال تعالى: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا) [آل عمران:30].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجماء من الشاة القرناء” رواه مسلم. أي ستؤخذ الحقوق من الظالمين للمظلومين يوم القيامة.
وما أجدر بنا أن نستحضر وصية النبي صلى الله عليه وسلم: “اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم”. فالظلم مقرون بالشح وحب المال، وكلاهما يجران صاحبهما إلى الهلاك والخسران المبين.
ومن صور الظلم البغيضة شهادة الزور، تلك الجريمة التي تقلب الحقائق وتضيع الحقوق. فكم من مظلوم ضاعت حقوقه بسبب شهادة زور، وكم من ظالم نجا من العقاب بسبب شاهد سوء. لقد غلظ النبي صلى الله عليه وسلم تحريم شهادة الزور، وعدها من الكبائر، فقال: “ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور أو قول الزور”.
وكذلك أكل أموال الناس بالباطل، سواء عن طريق الرشوة أو الغش أو الاحتيال أو غير ذلك. إنها لقمة سحت يأكلها صاحبها فتمرض جسده وتفسد قلبه. قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) [النساء:10].
إن شهادة الزور من أقبح صور الظلم وأبشعها، فهي جريمة في حق الله وحق عباده، تضيع الحقوق وتقلب الموازين. فما بالنا إن اقترنت ونتج عنها أكل لأموال الناس بالباطل؟ إنها لمعصية عظيمة، وإثم كبير، يستوجب غضب الجبار وعقابه الأليم. إن شهادة الزور ليست مجرد كذب في شهادة، بل هي تزوير للحقائق وتحويل لمسار العدالة نحو الباطل. تعد شهادة الزور من الجرائم التي تهز أركان المجتمع لأنها تضر بالأبرياء وتمنح الظالمين حصانة غير مستحقة، وتشكل خيانة للأمانة والعدالة.
لقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من شهادة الزور أشد التحذير، وبين عظم وزرها وشناعتها، فقال: “ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وجلس وكان متكئا فقال: ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور. فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت”. أخرجه البخاري ومسلم.
ففي هذا الحديث العظيم، يقرن النبي صلى الله عليه وسلم شهادة الزور بالشرك بالله وعقوق الوالدين، وهما من أكبر الكبائر على الإطلاق. بل إنه عليه الصلاة والسلام ظل يكرر التحذير من شهادة الزور حتى تمنى الصحابة لو أنه سكت من شدة ما رأوه منه. إنه لموقف مهيب، يدل على فظاعة هذه الجريمة وسوء عاقبتها.
وإذا كانت شهادة الزور بهذه المثابة من القبح والإثم، فكيف إذا صاحبها أكل أموال الناس بالباطل؟ إن الجمع بين هاتين الجريمتين النكراوين لهو قمة الظلم والعدوان، وغاية الفجور والطغيان. أعاذنا الله وإياكم من ذلك. فالاستيلاء على أموال الآخرين بطرق غير شرعية يعد من أشكال الظلم الصارخة، وهو يشمل الاحتيال، السرقة، والغش. هذا الفعل لا يؤدي فقط إلى الضرر المالي للضحية، بل ينتهك الثقة المتبادلة التي تعد ركيزة أساسية في المعاملات الاقتصادية والاجتماعية.
فمتى نستيقظ من غفلتنا ونعي خطورة الظلم على أنفسنا ومجتمعاتنا؟ متى نصحو ضمائرنا ونتقي الله في عباده وبلاده؟ إن الأمر جد خطير، ولا بد من وقفة صادقة مع النفس، ومراجعة حقيقية للسلوك والمعاملات.
لنستشعر عظمة الأجر عند الله لمن ترك الظلم وأنصف المظلوم، ولنستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: “من كانت عنده مظلمة لأخيه، فليتحلله منها، فإنه ليس ثم دينار ولا درهم، من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته، فإن لم يكن له حسنات، أخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه”.
رحم الله امرأ أنصف من نفسه، وبادر بالتوبة من ظلمه، ورد حقوق العباد قبل يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
المستشار الدكتور خالد السلامي – سفير السلام والنوايا الحسنة وسفير التنمية ورئيس مجلس إدارة جمعية أهالي ذوي الإعاقة ورئيس مجلس ذوي الهمم والإعاقة الدولي في فرسان السلام وعضو مجلس التطوع الدولي وأفضل القادة الاجتماعيين في العالم لسنة 2021 وحاصل على جائزة الشخصيه المؤثره لعام 2023 فئة دعم أصحاب الهمم وحاصل على افضل الشخصيات تأثيرا في الوطن العربي 2023 وعضو اتحاد الوطن العربي الدولي.