النفخ فى القِربة المقطوعة

كتب: عمرو نوار

منذ عدة أيام كنت قد أتخذت قرارًا – وما أكثر قراراتي – بالتوقف عن القراءة والكتابة والمشاهدة والسماع فيما يتعدى أجندة الحياة اليومية… وان أعيش في “اللاشئ ” ساعيًا إلى “اللاشئ ” في سبيل “اللاشئ” … هكذا أعتقدت انه الأريح والأجمل والأهدأ …وكان هذا القرار نابعًا في أصله من عنوان المقال .. النفخ في القٍربة المقطوعة .. عندما تشعر إنك تعتلي قمة الماذنة لتؤذن في الناس ثم تكتشف إنك في جمهورية مالطا الانفصالية الاتحادية الابتدائية المشتركة ..لا أحد يسمعك ولا أحد يلتفت لك .. جزيرة منعزلة أنت رئيس جمهوريتها وملكها ومواطنها الوحيد … وكنت قد آمنت طوال حياتي ومازلت مؤمنًا ان “الفن” هو الجامعة الحقيقية للثقافة والتنوير وظبط المنظومة الثقافية والأخلاقية لأفراد هذا المجتمع فى دولة تّشّكل فيها نسبة الأمية هذه النسبة العالية وان الفن هو المنارة التي تضئ لهم ظلمة الجهل و طريق الإصلاح.. وآمنت ان المجتمعات المتحضرة قد بنيت على خمس الصحة والتعليم والأخلاق والثقافة والفن الراقي … وان الفن هو مقياس تقدم الأمم أو تاخرها من جهة جودته واستيعابه لمشاكل هذا المجتمع وسعيه الدؤوب “بوعى” للتنوير …

كان هذا إيماني وحلمي وخلاصة قضيتي ازاء الفن المصري … وكنت منتبها لما حدث انطباعًا وتحليلًا ومواجهة لكل ماهو ردئ …فبدات “عصابة الشر” بتأهيل المشاهد والمستمع عبر مايزيد عن خمسين عاما للوصول به عن طريق بروتوكول مايسمى “بتشجيع استحسان الجماهير للرداءة ” على ان يكون هذا الجمهور هو الداعم الأول والمناصر الأكبر لهذا النوع من الفن الردئ .. فى الغناء والدراما والأعمال السينمائية …فكنت -وغيرى- كمن يقاوم السحب الشديد فى البحر فيضرب بيده مقاومًا كل هذا الهبوط … وكانت اللحظة التاريخية هي أكتشافي ان هذا الجمهور ممثلًا في الشباب أو نسبة كبيرة منهم قد تم للأسف تشكيله برؤية وهوية “عصابة الشر” التي تتكون من أصحاب “السبوبة الفنية ” بما يقدموه من فن هابط فى الغناء والدراما والسينما … ولحسن الحظ بقيت بعض لمحات من فن جميل عندما أستمع إليه أو أشاهده على ندرته وقلته كفيل بان يعطينا أملا فى ان مصر الولادة لن تعدم مبدعيها وفنانيها وان هذه السحابة ستزول يومًا ما لتكشف عن شمس الأبداع والنور التي لم تفارق مصر منذ سبعة ألاف عام وإلى الأبد.