بر الوالدين وأثره على الأبناء

كتبت: أميرة سعيد البرعي
البر الذي يطمح كل الآباء والأمهات أن يجدوه من أبنائهم، ليس سوى ثمرة لبذرة غرست، وأحيطت بالعناية والرعاية، حتى اشتد عودها فازهرت وأثمرت.
فعلاقة الابن بوالديه تعد أساس بناء المجتمعات والأمم، وهي اللبنة الأساسية، فبصفائها يصفوالمجتمع، وبتكدرها يتكدر صفوه، وينهار بنيانه، وتتقطع أوصاله.
الحديث عن بر الوالدين لا ينتهي، ويكفي شرفًا أن الله عز وجل قرنه بعبادته سبحانه وتعالى، وسمي باب من أبواب الجنة ( باب الوالدين).
وهناك كثير من المواعظ التي تتحدث عن بر الوالدين، وتحث الأبناء على ذلك، والعناية به، وكثيرة هي الكلمات التي تحذر من عقوق الأبناء لوالديهم، لكن على الآباء أن لا ينسوا أن المسؤولية التي حملها كلاً من الأب والأم، من قبل “الله سبحانه وتعالى”، فقال الله عز وجل: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (الحجر:92-93)
وعن أنس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: «إن الله سائل كل راع عما استرعاه: أحفظ أم ضيع».
ما المقصود ببر الوالدين:
البر هو: أن تستشف ما في قلب والديك، ثم تنفذه دون أن تنتظر منهما أمرا، وأن تعلم ما يسعدهما، فتسارع إلى فعله، وتدرك ما يؤلمهما، فتجتهد أن لا يرونه منك أبدًا!
البر هو: أن تحرص على راحة والديك، ولو كان على حساب سعادتك.
وذكر الله تعالى آيات من القرآن الكريم في عظم برهم والإحسان إليهما والتأدب بالكلام، ونقلت لنا الأحاديث الكثيرة عن فضل بر الوالدين:
بر الوالدين من أحب الأعمال إلى الله: عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود قال: سألت النبي أي العمل أحب إلى الله؟ قال: { الصلاة على وقتها }. قلت: ثم أي؟ قال: { بر الوالدين }. قلت: ثم أي؟ قال: { الجهاد في سبيل الله } [متفق عليه].
ثمرة بر الوالدين:
ويعد بر الوالدين سببا لدخول الجنة: فعن أبي هريرة عن النبي قال: { رغم أنفه، رغم أنفه، رغم أنفه }، قيل: من يا رسول الله؟ قال: { من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة } [رواه مسلم والترمذي]، وهنا يحذر الرسول -صلى الله عليه وسلم- من عدم البرّ بالوالدَين.
إن بر الوالدين مقدم على الجهاد في سبيل الله عز وجل: عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: ( أقبل رجل إلى النبي فقال أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله تعالى، فقال : { هل من والديك أحد حي؟ } قال: نعم بل كلاهما. قال: { فتبتغي الأجر من الله تعالى؟ } قال: نعم. قال: { فارجع فأحسن صحبتهما } ) [متفق عليه] وهذا لفظ مسلم وفي رواية لهما: { جاء رجل فاستأذنه في الجهاد، فقال: أحي والداك؟ قال: نعم. قال: ففيهما فجاهد }.
كيفية بر الوالدين في الحياة وبعد الممات:
يجب العناية بالوالدين والمداومة على برهما، قال -تعالى-: (وَقَضى رَبُّكَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا إِمّا يَبلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُما أَو كِلاهُما فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ وَلا تَنهَرهُما وَقُل لَهُما قَولًا كَريمًا*وَاخفِض لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحمَةِ وَقُل رَبِّ ارحَمهُما كَما رَبَّياني صَغيرًا)(الإسراء:23).
حيث إنَّ رضا الله سبحانه وتعالى في رضا الوالدين: عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي قال: { رضا الرب في رضا الوالدين، وسخط الرب في سخط الوالدين } [رواه الترمذي وصححه ابن حبان والحاكم]، منزلة الوالدَين رفيعةٌ، إذ إنّ برّهما وشُكرهما والإحسان إليهما مقرونٌ بتوحيد الله -تعالى- في قَوْله: (وَاعْبُدُوا اللَّـهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)(النساء:36)، وقَوْله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) (لقمان: 14)؛ لذلك وجوب شُكر الوالدَين كوجوب شكر الله سبحانه وتعالى.
في البر منجاة من مصائب الدنيا بل هو سبب تفريج الكروب وذهاب الهم والحزن كما ورد في شأن نجاة أصحاب الغار، وكان أحدهم بارًا بوالديه يقدمهما على زوجته وأولاده.
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ” إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له”.
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” إن الرجل لترفع درجته في الجنة فيقول: يا رب أنى لي هذا؟ فيقال باستغفار ولدك لك” ومن أبر البر بعد موت الوالدين أن يصل الرحم التي لا توصل إلا بهما في حياتهما الدنيا، فعن أبي أسيد مالك بن ربيعة الساعدي – رضي الله عنه – قال: بينما نحن عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله، هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: “نعم.. الصلاة عليهما والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما”، وعن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما -، أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “أبر البر أن يصل الرجل ود أبيه”.
أساليب التربية التي تؤدي إلى بر الوالدين:
تعزيز سلوكيات البر وحسن المعاملة للوالدين في عقلية الأبناء، وذلك من خلال التعامل معهم برفق ولين ونصح وإرشاد، وعندها سيستجيب الأبناء للوالدين حتما تجاه أي طلب يطلبونه أو أمر يصدرونه، أما استخدام التأنيب والتعنيف فلا شك أنه سيؤدي إلى نتائج عكسية.
يجب على الآباء والأمهات أن يكونوا قدوة حسنة للأبناء في بر الآباء، فما من أسلوب تربوي أنفع ولا أجدى من مبدأ القدوة، فبه تتحقق الرغائب، كما يجب على الوالدين ️غرس القيم لدى الأبناء ومن ضمن هذه القيم بر الوالدين، وتعريفهم فضله والآثار الكثيرة المترتبة عليه، التربية في الصغر هي الطريق الموصل للبر في الكبر، فكلما تعهد الوالدان أولادهما بالعناية والتربية، كان الأولاد إلى الصلاح أقرب.
استعمال الوالدين لـغـة الخطاب والحوار الراقي واللائق مع أبنائهم،️ تنمية العلاقة الجيدة بين الآباء والأبناء، فبها تنمو أواصر التواصل الفعال بينهم.
يجب على الوالدين ️غرس القيم لدى الأبناء، ومن ضمنها بر الوالدين، وتعريفهم فضله والآثار الكثيرة المترتبة عليه.
استذكار أن حب الأطفال للوالدين رد فعل لحب الوالدين لهما، فإذا كان الحب هو السائد في العلاقة بين الابن ووالديه.
هناك بعض الوسائل المعينة على بر الوالدين:
استحضار فضل بر الوالدين، كما أسلفنا، وأنهما باب مفتوح من أبواب الجنة، ونهر جار من الأجر لا ينقطع، ليتولد حرص ما بعده؛ حرص على برهما، والسعي في إرضائهما، ️الدعاء: فهو هدي الأنبياء والصالحين، فسبيلهم التضرع إلى بارئهم أن يوفقهم لبر والديهم، وهدايتهم لكل فعل حسن، قال تعالى: {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} (النمل:19).
بر الوالدين ديِن ودَيّن، فالأول:يأخذك إلي الجنة،
والثاني: يرده لك أبناؤك.
️لابد أن يتذكر المرء قاعدة: كما تدين تدان، فكما تبر والديك اليوم، سيكون بر أولادك لك غدًا، والعكس بالعكس، فالجزاء من جنس العمل؛ {مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} (فصلت:46).
استحضار آثار العقوق، التي تنذر العاق بالشقاء في حياته الدنيا أو في الآخرة، وأن تجنب تلك الآثار بالابتعاد عن العقوق، وما ذلك إلا سبيل لمرضاة الله سبحانه وتعالى، ونيل ثوابه.
أن يذكر نعمة وجودهما وأنهما راحلان، فوجودهما نعمة عظيمة، ومكرمة جليلة، ومنحة كبرى، حق على المسلم أن يكافئها، بشكرها بعظيم برهما، وعمل كل أمر يسرهما.
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” إن الرجل لترفع درجته في الجنة فيقول: يا رب أنى لي هذا؟ فيقال باستغفار ولدك لك”.
الساعدي – رضي الله عنه – قال: بينا نحن عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله، هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: “نعم.. الصلاة عليهما والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما”.
فمن أدب ابنه صغيرًا، قرت عينه كبيرا، وكما يريد الآباء من أولادهم أن يبروهم، فليكونوا هم على مستـوى ذلك الــبر والإحسان.
إن ثمرّة من يبرّ والديه تحقيق الفلاح والسَّعادة والنجاح في الدُّنيا والآخرة، والفوز بالأجر والثواب العظيم، ودخول الجنة،العبد الموفق من وفقه الله في طاعته ثم رضا والديه وحسن الأدب والتعامل الطيب معهم.