بيان من المدير الإقليمي حول الأزمة الصحية في السودان
كتبت/ أمل محمد أمين
– مع تحوُّل أنظار العالم نحو الوضع المُروِّع في غزة، علينا أن نتذكر أن الشعب السوداني لا يزال يعاني من وضع كارثي مماثل.
إن الأرقام الواردة إلينا من السودان صادمة؛ إذ أن ما يقرب من 25 مليون شخص يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، ويحتاج 11 مليون شخص آخر إلى مساعدات صحية عاجلة. ويواجه في الوقت الحالي أكثر من 20 مليون شخص مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي، في حين يعاني كل طفل دون سن الخامسة في السودان من سوء التغذية الحاد. ويواجه نحو 4.2 ملايين من النساء والفتيات والفئات السكانية الضعيفة خطر التعرض للعنف القائم على نوع الجنس – الذي يمكن أن يهدد حياتهم – فضلًا عن قصور أو انعدام فرص الحصول على خدمات الحماية والدعم.
وفي حين يتواصل القتال بلا هوادة في أنحاء واسعة من البلاد، لا سيما في دارفور وكردفان والخرطوم، تشير أحدث الأرقام الرسمية التي تلقيناها في 3 تشرين الثاني/ نوفمبر إلى وجود 3679 مُصابًا – ونظرًا لتعذُّر الوصول إلى العديد من المناطق الآن بسبب انعدام الأمن، فمن المرجح أن تكون الأعداد الحقيقية للمصابين أعلى من ذلك بكثير. وتشير التقديرات إلى أن 70% من المستشفيات في الولايات المتضررة جرَّاء النزاع توقفت عن العمل، وتعاني المستشفيات المتبقية من الإنهاك بسبب تدفق الأشخاص الذين يلتمسون الرعاية، وغالبيتهم من النازحين داخليًّا. ويمثل الأطفال حوالي نصف عدد الأشخاص الذين أُجبروا على الفرار، والبالغ عددهم 3.6 ملايين شخص، وبذلك أصبح السودان الآن البلد الذي يواجه أكبر أزمة لنزوح الأطفال في العالم.
ونحن نشعر بقلق بالغ إزاء الوضع في دارفور. حيث تفيد التقارير بأن معظم المستشفيات متوقفة عن العمل بسبب تعرضها للنهب والأضرار وفقدان الموظفين، في حين يعوق انعدام الأمن تسليم المساعدات الإنسانية بأمان إلى الإقليم. وقد فرَّ ما يقرب من نصف مليون شخص من دارفور إلى تشاد، وكثيرون منهم في حاجة ماسة إلى تلقي الرعاية الطبية، بما في ذلك رعاية الرضوح. وتعمل مكاتب المنظمة في البلدان المجاورة للسودان – أي في تشاد ومصر وجنوب السودان وإثيوبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى – مع السلطات الوطنية والشركاء الصحيين لضمان تقديم الرعاية الصحية الطارئة والخدمات الصحية الأساسية وخدمات التمنيع لآلاف الأشخاص المعرضين للخطر والفارِّين من أعمال العنف. ونحن نعمل جاهدين مع شركائنا على تقديم مساعدات إنسانية موثوقة عبر الحدود وتسليمها إلى المناطق الأكثر أمانًا، على أن تُمنح الأولوية الرئيسية للمساعدات المُقدمة من تشاد إلى غرب دارفور ووسطه.
وضاعف التفشي السريع للكوليرا من تعقيد الاحتياجات الإنسانية المتزايدة بشكل قياسي. ومنذ الإعلان الرسمي عن الفاشية في ولاية القضارف في 26 أيلول/ سبتمبر، أبلغت سبع ولايات في السودان عن حالات مشتبه فيها، بينما تشير التقديرات إلى أن ما يزيد على 3 ملايين شخص معرضون لخطر الإصابة بالعدوى. وتحاول منظمة الصحة العالمية وشركاؤها، بالتعاون مع السلطات الصحية، التعجيل بتوسيع جهود الاستجابة لتفادي حدوث مزيد من التفشي، وتشمل تلك الجهود تدريب الأطباء وطواقم التمريض على التدبير العلاجي لحالات الكوليرا والوقاية من العدوى ومكافحتها. وقد أرسلت منظمة الصحة العالمية بالفعل 3.2 أطنان مترية من مجموعات أدوات علاج الكوليرا، بما في ذلك الأدوية واللوازم والمعدات المختبرية، كما أنها تقدم الدعم الكامل إلى 10 مراكز لعلاج الكوليرا في ولايات القضارف، والجزيرة، والخرطوم. ومن خلال التعاون الوثيق مع السلطات الصحية الحكومية واليونيسف، دعمت المنظمة أيضًا عملية التخطيط الدقيق لحملة التطعيم ضد الكوليرا في تسع مناطق محلية في الولايات نفسها. وفي 14 تشرين الثاني/ نوفمبر، وصلت دفعة تضمنت 2.9 مليون جرعة من جرعات اللقاح الفموي المضاد للكوليرا لحملة يُنتظر إطلاقها بحلول نهاية الشهر في ست مناطق محلية في القضارف، ولاحقًا في منطقة محلية واحدة في الجزيرة، ومنطقتين محليتين في الخرطوم.
كما تعطي منظمة الصحة العالمية الأولوية لدعم 80 مستشفى في الولايات البالغ عددها 18 ولاية لضمان حصول المجتمعات المحلية على الخدمات الصحية الأساسية، بما في ذلك الرعاية التوليدية الطارئة. وتعمل منظمة الصحة العالمية مع الشركاء للحفاظ على خدمات الرعاية الصحية الأولية، إلى جانب تقديم الدعم المباشر إلى21 عيادة ثابتة/ متنقلة. كما تدعم المنظمة 57 مركزًا من مراكز التغذية، حيث يعمل تسعة من خبراء التغذية التابعين للمنظمة على دعم الاستجابة لسوء التغذية، في حين وُزِّعت مجموعات أدوات من أجل علاج أكثر من 20000 مريض يعانون من سوء التغذية الحاد الوخيم على 16 ولاية من أصل 18 ولاية في السودان.
غير أن انعدام الأمن والعقبات التشغيلية لا تزال تُشكّل تحديا أمام تسليم الإمدادات والخدمات في الوقت المناسب، فضلًا عن إعاقة جهود مكافحة المرض. وفي ظل تحقُّق المنظمة من وقوع 60 هجومًا على مرافق الرعاية الصحية منذ بداية الحرب – واستهداف المستشفيات، والعيادات، والمختبرات، وسيارات الإسعاف، والعاملين، والمرضى – فإننا نرحب ترحيبًا صادقًا ببيان الالتزامات الذي اعتمدته أطراف النزاع في 7 تشرين الثاني/ نوفمبر في جِدَّة لحماية المدنيين، وتيسير وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، وإنشاء منتدى إنساني للسودان بقيادة مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية. ومع ذلك، ونظرًا لوقوع نصف الهجمات على مرافق الرعاية الصحية منذ التوقيع على إعلان جدة الأول في 11 أيار/ مايو 2023، فإن منظمة الصحة العالمية تدعو أطراف النزاع إلى الوفاء بالوعد الذي قطعته على وجه السرعة. ويجب أن تتوقف الهجمات على مرافق الرعاية الصحية على الفور – فهي تُعطِّل بشدة تقديم الرعاية الصحية وتزيد الوضع الإنساني البائس بالفعل سوءًا.
وبالرغم من ارتفاع مستويات انعدام الأمن، فقد واصلت المنظمة الاضطلاع بعملها منذ بداية التصعيد الأخير للنزاع في السودان، من أجل تلبية الاحتياجات الصحية والتصدي للتهديدات الصحية المتعددة، بما في ذلك أوبئة الكوليرا، والحصبة، وحمى الضنك، والملاريا. وتعمل فرقنا عن كثب مع الفرق النظيرة الوطنية والشركاء الصحيين لتوفير الإمدادات المُنقذة للأرواح، ومواصلة تقديم الرعاية الصحية الأساسية، ومشورة الخبراء، وتنسيق العديد من الشركاء الصحيين، والتدريب، وترصّد الأمراض، والاستجابة للفاشيات. ومنذ 15 نيسان/ أبريل، سلمت المنظمة أكثر من 260 طنًّا متريًّا من الأدوية والإمدادات الصحية إلى السلطات الصحية الوطنية والشركاء الصحيين.
ونتوجه بخالص الشكر إلى الجهات المانحة على تمكينها لنا من الوقوف إلى جانب أشقائنا وشقيقاتنا في السودان، وهو ما يُجسِّد رؤيتنا الإقليمية «للصحة للجميع وبالجميع». وبالرغم من ذلك نقول إن المجتمع العالمي قد غضَّ الطرف عن هذه الأزمة الكبرى إلى حد كبير. ونحن بحاجة إلى تعزيز الالتزام والدعم من جهاتنا المانحة حتى نتمكن من توسيع نطاق عملنا المُنقذ للأرواح في السودان وتلبية الاحتياجات المتزايدة والمعقدة لشعبه على أرض الواقع. إن شعب السودان يحتاج إلى تضامن العالم وتعاطفه كما لم يحتجه من قبل. فكل تأخير يُكبِّدنا مزيدًا من الخسائر في الأرواح. ولا يمكن للعالم أن ينسى السودان. ولا يمكن للعالم أن يتخلى عنه.