بين ثرثرة نجيب وبطولة ياسين

بقلم / شريف محمد
انتكاسة ١٩٦٧/م كانت أعنف صدمة ضربت المجتمع المصري ، إن لم تكن الأعنف على الإطلاق ؛ لكن في حينها تشعّب المفكرون والأدباء إلى ثلاثة شُعَب ،مصدمون لزموا الصمت واكتأبوا ، وشعبة ثانية دافعت ودفعت رغم الجراح عن الأمل ، والشُعبة الثالثة والأخيرة وعلى رأسها الأديب العالمي ( نجيب محفوظ) أمسك بقلمه الذي كان كمشرط الجراح ليحيط بالورم ، ودفع بجانبه بالأمل ، فكتب روايته – المثيرة للجدل – في وقتها : ( ثرثرة فوق النيل )، رصد الفئة المنحرفة الضالة ، المُضلة التي أخذت من الثورة حينها ولم تعط ، واستفادت ولم تُفد ، وهم جماعة من مختلف الأوساط الظاهرة اجتماعياً لكنهم بالفعل مجرد ظاهرة ، فلقد
اعتادوا تعاطي المخدرات ليلا تاركين الوطن في نكسته وبؤسه، لاهمّ لهم إلا أنفسهم وشهواتهم، بينما العمل والبناء والاستعداد مشتعل في كل تلافيف الوطن ؛ وهاجم الكثيرون نجيب محفوظ في تلك الفترة العصيبة خاصة من أصحاب المذهب الثاني المتفائل؛ ولم يكترث حينها محفوظ لهم وواصل دعم العاملين ونبش قبور المتخاذلين ، حتى كان النصر المبين في السادس من أكتوبر١٩٧٣/م خير رد على كل مشكك فيما كشف عنه نجيب محفوظ من ثرثرة فوق النيل، فأثبت أن الأوطان العظيمة الكبيرة كمصر تمرض ولا تموت ، تهتز ولاتسقط ، بإذن الله تعالى، مادام أبناؤها قادرين على تحديد المرض وفضح السبب .
وهاهو الآن ( ياسين) البطل الصغير ابن الأم البطلة والأب القوي الواثق بالله ثم بنفسه وزوجه وولده ، يكتبون معا ثرثرةًجديدة فوق نيل عظيم ، شعبه مبارك كما قال سيدنا المسيح -عليه السلام – وكما نبه سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم- أهل مصر في رباطٍ إلى يوم الدين، لكنها هنا معركة ضد الفساد ؛ فالأم لم تخش في الحق لومة لائم ، والأب لم يلجأ بما أوتي من قوة ومال لرد العنف بالعنف أو بالتدمير ، لقد انتصر الطفل والوالدان للدين والحق والقانون ، في معركة طويلة وللأسف أعداؤهم فيها كثيرون، لكنهم جميعاً: ياسين (البطل) والأم الشجاعة والأب الحكيم ، التقطوا ذلك القلم ( مِشرط الجرّاح) من ذاك النجيب المحفوظ ، ليثرثروا، ولكنها ليست ثرثرة بل حقائق ثابتة فضحت جانباًملوثاً من مجالٍ أساسه النقاء والطُهر والشرف والأمانة ، ليعرضوا لكل مصري غيور على وطنه جانباً مظلماً من جوانب التعليم ، ولا نقول هذا هو الأغلب ، ولكنها نقطة في محيط التعليم ، يجب بترها ، وسحق كل متسببٍ فيها ، ليدوم لمصر نيل علمها المتدفق ، الذي لن يضره ثرثرة الفاسدين المنحلين، فسيظل النيل يجري بإذن الله مادام في كل جيل أمثال تلك الأسرة القوية ، وذلك الأديب الأريب..







