حمدي رزق يكتب: الخريف الكاذب
ايكيا فصل الصيف ينتهى يوم (الجمعة ٢٣ سبتمبر)، ولكن هذا لا يُترجم انخفاضًا فى الحرارة، ولا يعنى انتهاء الصيف فعليًا، شكل الصيف مطول معانا، سندخل مرحلة الخريف الصيفى، أو الخريف الكاذب، اسمه خريف ولكنه فى حرارة الصيف!!
فلكيًا يوم (٢٣ سبتمبر) من كل عام يغادرنا الصيف، وهذا موعد ثابت فلكيًا لأن دوران الأرض حول الشمس كل عام لا يتغير، ولكن حذارِ لا توجد علاقة بين بداية الخريف فلكيًا وانخفاض درجات الحرارة فى بدايته، فانخفاض درجات الحرارة يختلف من عام إلى آخر، ومن بلد إلى غيره، ويعتمد على عوامل كثيرة أخرى، مثل اتجاهات الرياح والضغط الجوى والتغير المناخى وخلافه.
الدكتور «أشرف شاكر»، رئيس قسم الفلك بالمعهد القومى للبحوث الفلكية، يقطع جازمًا: «لا أحد يعلم متى سينتهى الصيف فعليًا وتنخفض درجات الحرارة، فقد تنخفض درجات الحرارة قبل أو بعد انتهاء الصيف فلكيًا بوقت قصير معتمدة على العوامل الجوية».
هذا الحكى الفلكى يحبط عشاق الشتاء، وربما يغبط عشاق الصيف، والثابت فلكيًا أن هناك تغيرًا مناخيًا لافتًا، يستوجب دراسة معمقة من علماء الفلك، وفى مصر خبراء مشهود لهم بالتنبؤات، والتنبؤ هو عملية بناء التوقعات المدروسة لما سيحدث فى المستقبل من قِبَل خبراء العلوم والرياضيات، وذلك وِفقًا لعدة معايير ومعلومات أولية.
هرمنا على قاعدة مناخية راسخة رسوخ الجبال الرواسى، فى وصف الحالة المناخية المصرية، تقول: «حار جاف صيفًا، دافئ ممطر شتاء»، يقينًا باتت ماضيًا، وبالأحرى اختصار مخل لطقس مختل، قاعدة أطاحها صيف هذا العام، الذى جاء ساخنًا يشوى الوجوه، يذوب من صهده عين القطر «النحاس»، تحس باحتياج عارم لفتح باب الثلاجة طويلًا.
حتمًا ولابد من وصف جديد لمناخ مصر، بات ضروريًا ومستوجبًا، ليس من قبيل رفاهية المتفكهين، أو من قبيل اللغو غير السياسى، أو ملء المساحات الفاضية على المقاهى، أو تزجية فراغ لناس فاضية.
مستوجب رسم خريطة مناخية جديدة لمصر، تُترجم إلى رسم الخريطة الزراعية الجديدة، تقلبات المناخ بلبلت الفلاحين، وأطارت صوابهم، ولخبطت ثوابتهم، وزعزعت قوانينهم الزراعية، فلم يعودوا يميزون بين مسرى وبرمهات (من أسماء الشهور القبطية التى تنظم الزراعة).
الثابت يقينًا وعلى رؤوس الأشهاد أن المناخ المصرى تقلب تمامًا، صار متقلبًا، مزاجه متعكر، وأرجو ألا يستنيم خبراء الأرصاد طويلًا إلى قاعدة حار جاف صيفًا.. دافئ ممطر شتاءً، لا يودون المساس بها وكأنها من الثوابت المرعية، مع أن العالم بأسره يغير قواعده المناخية.
لسنا استثناء، ويستوجب أن نذهب سريعًا إلى قراءة جديدة لمؤشرات المناخ المصرى خلال العقد الأخير على أقل تقدير، هذا من قبيل الأمن القومى، الذى يرتهن بالأمن الغذائى، فضلًا عن معايش الناس، وطبيعة اللباس، وشيوع الأمراض، ومتوالية الأوبئة القادمة من خارج الحدود فى بلد تلفه صحراوات قاحلة ذات مناخ قارى.
القاعدة المعاشة جو خانق صيفًا، سيبيرى مثلج شتاء، إذا جاز القول مناخيًا، القاعدة القديمة حار جاف صيفًا استنها علماء، وتغييرها سيقوم عليه علماء، لا هى معادلة مقدسة ولا اكتسبت قداسة، هنا لا نتحدث عن «صحيح البخارى»، نتحدث عن «صحيح المناخى»، ولم يكتسب قداسة بعد.