حمدي رزق يكتب: الكتيبة 101
أكتب عن التفاف الطيبين باكرًا ومن أول حلقة حول مسلسل (الكتيبة ١٠١)، لافت كل هذه الحفاوة الأسرية، ينتظرونها بفارغ الصبر بعد الفطور، ومَن لا يلحق بها يتربصها بعد صلاة العشاء والتراويح.
الكتيبة تستحوذ على ألباب الطيبين، اتصالًا بسابقتها من المسلسلات التوثيقية لشهداء مصر فى السنوات الماضية، التى خلدت تضحيات رجال الجيش والشرطة ومن المدنيين فى مواجهة فلول الإرهاب الأسود.
جد يحبون أبطالها، ويقفون على تضحياتهم، ويتعاطفون مع ظروفهم الأسرية، ويدعون لهم بالنجاة من مكائد الإرهابيين، وتنفطر قلوبهم مع سقوط الشهداء، ويغتبطون بانتصاراتهم مجسدة على الشاشة الصغيرة.
كل منهم يستعيد معهم أيامه فى الصحراء، أيام الجندية فى الشباب الباكر، يؤدى طواعية ضريبة الوطن المُفدَّى.
المسلسل (الكتيبة ١٠١) يستحوذ على اهتمام الشباب، يرون أنفسهم مجسدين على الشاشة أبطالًا، ويتسابقون إلى الشهادة بشجاعة وإقدام وجسارة، ويبحثون على محركات البحث عن «كرم القواديس»، وعن كمين «الجورة»، وعن العريش فى شمال سيناء. يتعرفون، ربما لأول مرة، على خارطة وطنهم المخضبة بالدماء الزكية.
لو تحدثت عن «معركة الوعى»، فمثل هذه المسلسلات الوثائقية ترفع منسوب الوعى الجمعى بالوطن، وحدوده، وفروضه، وواجباته، وتُحبِّب الشباب فى الجندية، وترسم صورة زاهية لشباب مصر، الذى يذود عن الحياض المقدسة، ويتشوقون للشهادة بروح فرسان يطلبون نصرًا أو شهادة.
فى الكتيبة، شباب عاديون يملكون أحلامًا بسيطة، تحولهم الصحراء إلى أبطال، فى المعسكرات والكتائب والنقاط الحدودية تروى الألسنة بطولات وكأنها أساطير.
كل ضابط وحده أسطورة، وكل جندى وحده بطولة، والعيون لا تنام، يتسابقون إلى الشهادة، كل مهمة يتسابق إليها الأبطال فى شوق للشهادة، وكل عملية لها الموعودون بالنصر والفخار.
مَن لا يجول فى صحراء الواحات القاحلة، ولم يَنَلْ شرف الجندية، أو يخطُ على خطوط التماسّ شرقًا، أو يحترق بلهيب الصحراء جنوبًا، لا يعرف حجم تضحيات هؤلاء الأبطال، يضحون بأرواحهم، عزائمهم لا تلين، من أولى العزم وعلى قدر أهل العزم تأتى العزائم.
ليل موحش، ونهار قائظ، وصيف وكأنك تقف تحت شمس خط الاستواء، بحار من الرمال الناعمة لا تحتمل وزنًا، يغرق فيها العصفور، وتلال وهضاب وجبال واعرة، تندر الواحات، وحشة الصحراء المصرية قفارها مكتوبة على جبين الرجال السمر الشداد.
عشت ليالى وأيامًا فى معية الأبطال، وسجلت شهادات، وكان مَن التقيته، أمس، أودعه اليوم، مفكرتى الصغيرة لا تزال تحوى أسماء أحياء شهداء، أو شهداء أحياء، أعزهم الله بالشهادة وكتب لجيشنا النصر فى معركة التحرير الثانى لسيناء.
حزين على فراق الأحبة منهم، إن العين لتدمع والقلب ليحزن، مواكب الشهداء تتقاطع فى الكفور والقرى والمدن، وحزين على حالنا، نتلهى بترندات بلهاء عن بطولات هى أوْلَى بالحكى.
ننتحر اختلافًا وهم على قلب رجل واحد، نتباكى على علاوات وبورصات ومزايدات، وهم مرابطون على الحدود، لا يلهيهم بيع أو تجارة، أخشى أن بعضنا (وهم قلة) لا يعتبرون لشهادة، ولا تهزهم تضحيات، ولا يقفون إجلالًا للموت، الموت مثل الحزن ما بقالهوش جلال عندهم يا جدع.
تَرَحَّم وتَشَهَّد على الجدعان، وقبل أن تتشكَّى من ضيق رزق، تَمَعَّن فيمَن يكتفى بلقيمات يقمن صلبه وهو قائم يحرس فى سبيل الله، تذكروا جميعًا أن هناك شهداء أحياء، طوبى للشهداء.
الحمد لله، على حالنا فى أمن وأمان، نمارس حياتنا بين أعياد واجتماعيات وسهرات، ونسة بين الأحباب، وهم (ربنا معاهم) مرابطون على الحدود، يقتسمون اللقمة، ويحدوهم الأمل، ويتشوقون لكلمة حلوة فى جواب، والجواب بعلم الوصول.. تحيا مصر.