حمدي رزق يكتب: حدث فى مسجد الزهراء!

ليطمئن قلبى، تريثت هنيهة قبل التعليق على فيديو لهو المشايخ مع الأطفال بـ«البلالين» فى صحن مسجد (الزهراء) بالإسماعيلية صبيحة عيد الفطر، حتى أستأنس برؤية وزارة الأوقاف، سيما وأن سلفية العصر والأوان جلدوا المشايخ بألسنة حداد، تقريبًا فسقوهم، وطالبوا برقابهم..
أثلج صدرى (بيان الوزارة)، بردا وسلامًا، نصا: «المساجد بيوت الله، وهى المكان الذى يملأ القلوب بالسكينة ويزود الأرواح بالهدى، ومن رحمة الإسلام أن جعل المساجد بيئة رحبة للكبار والصغار من الجنسين، حاضنة للأبناء؛ لتعزيز حبهم لها وارتباطهم بها منذ الصغر».
ويزيدنا البيان بيانًا: «فقد كان سيدنا النبى صلى الله عليه وسلم قدوة فى هذا المجال، إذ كان يُلاعب أحفاده داخل المسجد، ويحملهم فى أثناء الصلاة؛ ويستقبل الوفود فى المسجد، ويشهد لعب الحبشة (ما يشبه الفولكلور أو الفنون الشعبية فى العصر الحديث)، وكل ذلك وغيره يؤكد التوازن بين الحفاظ على قدسية المسجد، وتعدد أدواره، ورعاية فطرة الطفل وحاجته للطاقة والحركة».
قطعت وزارة الأوقاف قول كل عقور، قطعت ألسنة طالت تقبح لهوًا بريئا لشيخين شابين بالبلالين مع الأطفال فى العيد، من يشاهد الفيديو يبتهج، يسر قلبه، شيوخ لطفاء، وجوههم باسمة، مستبشرة، راضية، قلوبهم حانية، تحنو على أحباب الله، تسرى عن الصغار، تلاطفهم، تحببهم فى المسجد.
الشيوخ الشباب لم يرتكبوا الكبيرة فى المسجد، ولا مسوا قدسيته، ولا أهانوا رمزيته، ولا تجاوزوا حدًا مرعيًا، ترفقوا من الرفق، كما كان عليه الصلاة والسلام يترفق، وتلطفوا كما كان يتلطف. فى حديث أبى قتادة رضى الله عنه، قال: «رأيت النبى صلى الله عليه وسلم، يصلى بالناس وأمامه بنت أبى العاص على عاتقه، فإذا ركع وضعها، وإذا قام حملها».
الثابت والمعلوم بالضرورة، ولكنهم متربصون، وجود الأطفال فى المسجد وملاطفتهم لا يتعارض مع قدسية المسجد، بل يعزز ارتباطهم به، ويزرع فيهم حب الصلاة، والإقبال على مجالس العلم، وتوقير بيوت الله وروادها، ومعرفة قدر العلماء والمربّين، وترسيخ فكرة الترويح المباح عن النفس، وغير ذلك من الأهداف النبيلة.
سبحانه وتعالى يرحم من عباده الرّحماء، وأولى الناس بمظاهر الرّحمة والرأفة هم صغار السنّ والذين يعيشون مرحلة الطفولة، وهذا يستدعى مودّة تسعهم، وحلمًا لا يضيق بجهلهم، وملاعبةً تنمّى الأواصر وتقوّى الصلات الروحيّة بين الصغير والكبير.
الرعاية الخاصّة وفق التوجيه النبوى لها أثرٌ كبير على نفسيّة الأطفال واستقرارهم العاطفى، فصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم- القائل: «ليس منا من لم يرحم صغيرنا».
لهو المشايخ ليس عيبًا يتدارون منه، بل سمتهم محبب، ولهوهم مهضوم، والملاطفة فى غير أوقات الصلاة لا تعوق الصلاة أو تؤثر فى خشوع المصلين، أو التسبب فى إزعاج المصلين، أو فى إحداث أى ضرر بالمكان أو بمن هم فيه.
بيان وزارة الأوقاف يعيد رسم المشهد، يغير الصورة النمطية لمشايخ الأوقاف، ويدمجهم فى المجتمع، ويعيد رسمهم كأفراد طبيعيين فى مجتمع طبيعى، ويكسر عزلتهم عن أقرانهم، ويشجعهم على الترويح عن أنفسهم وأطفالهم.
أخشى على الوزير «الأزهرى» من غضبة المراجع السلفية المعتمدة، فاللهو مكروه بعامة.. فما بالك فى المسجد؟!، وماذا لو شاهد هؤلاء المتحفظون فريق كرة قدم التابع لوزارة الأوقاف؟!، لا أعرف كيف سيستقبلون المشهد الفريد والمشايخ يركضون وراء الكرة بغية تسجيل هدف الفوز، ويسجدون بعدها شكرًا لله.