مقالات

حمدي رزق يكتب: حدود المسؤولية الطبية

حمدي رزق يكتب: حدود المسؤولية الطبية

حمدي رزق يكتب: حدود المسؤولية الطبية
حمدي رزق

أن تأتى متأخرًا خير من ألا تأتى أبدًا، استبشر الأطباء بمشروع قانون المسؤولية الطبية المطروح على البرلمان بغرفتيه (نواب وشيوخ)، وما إن ظهرت ملامح المشروع فى الأفق الطبى حتى طفق البعض يردد عكس المقولة «أن تأتى متأخرًا.. عليك ألا تأتى أبدًا»، رفضًا للمشروع الذى وُصم باكرًا بأنه مشروع سجن الأطباء..

المشروع لايزال فى مجلس النواب لمزيد من الحوار الطبى قبل دخوله مرحلة التشريع، لإنضاجه، ومراجعة مواده الحاكمة، واصطحاب مقترحات وملاحظات المجتمع الطبى سيما نقابة الأطباء (أو هكذا أفهم).

الرفض للرفض، رفض القانون دون تبصر بالمآلات يضيع فرصة صناعة قانون عصرى يلبى شواغل الأطباء، وهى كثيرة، وكثيرًا ما صدح بها مقدرون مؤتمنون على المسؤولية الطبية، ويرفع عن رقاب الأطباء سيف «قانون العقوبات» الذى يحكم بقواعد عامة ليست تخصصية، والطب تخصيصًا من التخصصات التى يلزم تقليب أوجهها (سيما فى حالات المسؤولية الطبية) على مختصين ثقات.

كما يقولون، ما هكذا تُورد الإبل، وما هكذا تناقش القوانين، وعليه مستوجب على المؤتمنين فى مجلس النواب دعوة مجلس النقابة العامة، وشيوخ الأطباء، ورموز المهنة، وعلى رأسهم العلامة السير «مجدى يعقوب»، وهو ضليع فى مثل هذه المسائل الطبية بحكم خبرته بالقانون الإنجليزى وقوانين عالمية أخرى ترسم حدود المسؤوليات الطبية.

المرتجى حوار مفتوح بعقول منفتحة، وصولًا لتفاهمات تنتهى بصياغات محكمة ترسم حدودًا فاصلة بين الخطأ الطبى بمعناه الطبى كحدوث مضاعفات، والخطأ المتعمد نتيجة إهمال صارخ يُترجم تعمدًا، رغم أن القصد، أقصد التعمد، عادة خارج غرف العمليات، ليس متخيلًا طبيب يتعمد إيذاء مريض لا حول له ولا قوة.

خلاصة القول ما قاله العلامة الدكتور «صلاح الغزالى حرب». 

يقول نصًا: «المفترض من هذا القانون أنه لا يهدف إلى تحميل الأطباء أعباء زائدة بقدر ما يسعى إلى وضع معايير عادلة للمساءلة تمنع الإهمال، وتحمى أرواح المرضى، دون أن تنال من ثقة الأطباء فى ممارسة مهنتهم النبيلة».

الدكتور صلاح يسك قاعدة حاكمة تضبط مواد المشروع، يقينى لا أحد من المشرعين تخيلًا يطلب سجن الأطباء، والقانون ليس سيفًا مصلتًا على رقاب الأطباء، عكسًا مشروع القانون (مفترض) ينجى الأطباء من مغبة قانون العقوبات (العام)، ونحن بصدد شأن طبى خاص.

المسؤولية الطبية جسيمة، ليست كغيرها من المسؤوليات الجنائية التى ترتب عقوبات سالبة للحرية، مسؤولية تخصصية يحددها أطباء ثقات، دور رجال القانون، نيابة ومحاكم، (تالٍ) لقرار طبى تخصصى احترافى يحدد المسؤولية الطبية، ويجليها، ويقف على حدود الخطأ الطبى كونه مضاعفات أو محض إهمال يُفضى إلى موت، لا قدر الله.

وعليه مستوجب تعظيم دور اللجنة العليا للمسؤولية الطبية وحماية المريض، ورفدها بكبار الأطباء، وبين ظهرانينا شيوخ مقدرون، ومنحها دورًا قبليًا (قبل النيابة) أو بإذن منها لتحديد حدود المسؤولية الطبية للطبيب أثناء ممارسة عمله، وعلى هدى من قرارها تجرى مساءلة الطبيب جنائيًا.

والحبس الاحتياطى أخشى إدانة مسبقة، والخشية أن يرعش أيادى الأطباء فى غرف العمليات، ويفقدهم الثقة الطبية المطلوبة، أخشى تجنب الأطباء، سيما الشباب منهم، الولوج إلى غرف العمليات، سيما فى العمليات الكبيرة الصعبة والمعقدة، أو تلك التى تحمل قدرًا من الخطورة على حياة المريض، كيف يُقدم طبيب على إنقاذ روح وهو روحه معلقة على حياة مريض شارف على الموت؟!!.

 

 

 

نهى مرسي

نائب رئيس تحرير الموقع
زر الذهاب إلى الأعلى