حمدي رزق يكتب .. فصل الخطاب فى الحوار الوطنى
ليكن معلومًا أن الحوار الوطنى المُرتجَى ليس «نزهة خلوية» فى حديقة الوطن، وليس «ونسة» للفضفضة فى البراح، وليس «مكلمة» يتبارى فيها الخطباء، ولا هو ترضية سياسية وجبر للخواطر.
لا نملك رفاهية تضييع الوقت فى خطب عصماء ومزايدات رعناء، ولا خطط مخططة لإحراج النظام بطلب المستحيلات لإثبات أهلية سياسية مفتقدة لتعويض ما فات وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، قطعنا طريقًا طويلًا فى حب الوطن، فلنُكمل المسير.
المُخْلِصُونَ والمُخْلِصَاتُ، جمع مُخْلِصٌ ومُخْلِصَةٌ، جميعًا فى مهمة وطنية لصياغة عقد وطنى جديد، مستمد من فقه الأولويات الوطنية، والعقد الجديد يحتاج إلى أفكار وطنية مخلصة تقوم على قواعد دستورية ثابتة، تُعلى المصلحة الوطنية فوق كل الانحيازات السياسية الضيقة، وترتقى إلى مستوى الطموحات الوطنية المشروعة فى غدٍ أفضل.
مستوجب بلوغ المراد من الحوار، الحوار وسيلة لبلوغ الغاية، والمستهدف خارطة طريق جديدة للوطن لرسم مستقبل أفضل، وعنوان الحوار شركاء لا فرقاء، شراكة وطنية تجمع الفرقاء بعد أن تفرقت بهم السبل.
من فَضائل الحوار الصحى اجتماع الفرقاء على كلمة سواء، على حد أدنى من التوافق على القضايا الأساسية، لدينا قضايا تدخل فى فقه الأولويات، وأخرى قد تستنزف مقدرات الحوار فيما لا طائِل منه، فلنتوفر على الأولويات نُجليها، ونقف عليها، ولا نغادر دون وصفها، إِنَّ الأولويات تَشَابَهت عَلَيْنَا، إذا تمخض الحوار عن هذه الخارطة وجرى توصيفها رسمًا وتبيُّنها طريقًا كسبنا كثيرًا.
الشعب والعالم ينظر إلينا ونحن نتحاور، فليكن حوارنا وطنيًّا واقعيًّا وعقلانيًّا وموضوعيًّا بالإجمال وصفًا «متحضرًا» يعبر عن حضارة هذا الوطن العظيم.
أن تأتى متأخرًا خير من ألّا تأتى أبدًا، الدعوة الرئاسية إلى الحوار فرصة وسنحت لنبرهن على إخلاصنا لهذا الوطن، ونبرّه، ونخلص فى الاجتهاد، هذا وطن يستحق التضحيات، وليكن معلومًا أن أرواح الشهداء تحيط بكم، وتنتظر الوفاء بالعهد والوعد، فلتبرُّوهم وتُقسطوا إليهم، وتقفوا على مصالح هذا الوطن دون سواه.
الحوار الوطنى فى معناه وفضائله يُعنى بالمقاصد الوطنية العليا، والمقاصد العليا فى علم أصول الفقه هى ما قصده الشرع من الضروريات والحاجيات والتحسينات، وأهمها نفى الضرر ورفعه وقطعه، والكليات الشرعية الخمس، حفظ الدين، والنفس، والعقل، والعِرض، والمال، فى سياق مطلق المصلحة، سواء أكانت هذه المصلحة جلبًا لمنفعة أم درءًا لمفسدة.
كيف يتم تنزيل فقه المقاصد الشرعية على المقاصد الوطنية؟ بمعنى كيف يترجم الحوار هذه المقاصد العليا التى تعنى الرفاه؟ مقصود خارطة طريق إلى مجتمع الرفاه فى إطار الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة!.
مستهدفات الحوار سياسيًّا لا تخفى على لبيب، واللبيب من الإشارة يفهم، والأهم مستهدفاته الحقوقية، اقتصادية واجتماعية، بالإجمال حقوقه الإنسانية، رفاه الإنسان المصرى هو فصل الخطاب.
خلاصته مطلوب «حوار لَيْس خُوَارًا». الحوار فعل رشيد، الخوار فعل كريه، الخوار يُنهى الحوار قبل أن يبدأ، ونحن فى طريق الحوار أرجو أن يتراجع الخوار فى مواجهة دعوة رئاسية طيبة، الفكرة الطيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها فى السماء تُؤتى أُكُلها.