حمدي رزق يكتب: «قَد ضَلَّ مَن كانَتِ العميانُ تَهديهِ»
أعلاه من تجليات الشاعر العباسى الكبير «بشار بن برد»، استعدته بصعوبة من ذاكرة متعبة، في ذكرى ميلاد خالد الذكر الزعيم «جمال عبدالناصر»، للأسف في ميلاده، يحك بعض الكارهين أنف المحبين بلغو فارغ يملأ الفضاء الإلكترونى.. ويصير عناوين عصر العبث، ما نسميه «تريند».
لست في معرض الرد على عُمى القلوب، معلوم ليس الأعمى من لا يرى، وإنما الأعمى هو الذي لا يشعر بالحق الذي يراه، فكم من بصير يرى بعينيه ولكن قلبه لا يرى شيئًا، وترجمها طيب الذكر «لينين الرملى» قائلًا: «الشوف مش نظر، الشوف الحقيقى وجهة نظر»..
وإن عشقنا ناصر وتنسمنا ذكراه، فعذرنا أن في وجهنا نظرًا، ومثلى كثير من أولاد الفقراء وُلدوا وتربوا على لبان العزة والكرامة، وُلدنا مرفوعى الرأس، وتربينا على طبلية بسيطة في قعر بيت لا يبين له عنوان، قطرها لا يتسع لطموحاتنا التي أفسحت لنا ثورة ناصر مساحة رحيبة، حرثت يوليو ناصر الأرض وزرعتها بأشجار الأمل، شجرة مزهرة في حديقة الوطن الغنّاء.
ومثلى كثير، من تلقى تعليمه بالمجان، ولم يُعجز الفقر الأسرة عن تعليمنا، تفوقنا وما كنا في الحساب أو يُعمل لنا حساب، متى كان التعليم لأولاد الفلاحين حقًا، متى كان التوظيف لأولاد العمال أملًا، متى كان للفقراء نصيب من الحياة في الوطن، متى كان الأجداد والآباء محسوبين كبشر لهم حقوق وعليهم واجبات؟!
ومثلى كان نسيًا منسيًا في عزبة قصية في مدينة مختفية من على خارطة القطر الكبير، فشبَّ عن الطوق فإذا بناصر يخبره من القبر: يا بنى إن التعليم حق لكم كالماء والهواء، وإن المصريين جميعًا سواء، وما نيل المطالب بالتمنى ولكن تُؤخذ الدنيا غلابًا.
منحنى «ابن البوسطجى» العظيم، منح «ابن الفلاح» الطيب جواز مرور إلى العاصمة الكبيرة، وكانت العاصمة ووظائفها حكرًا على أبناء الأعيان، صار «ابن البوسطجى» رمزًا كريمًا، نتقفى أثره في المشوار الصعيب.
يكتب عنه محبًا من تحصل والده على خمسة أفدنة بعقد تمليك أخضر، أول مرة فلاح مصرى يملك طينًا، قبلها كان مغروزًا في الطين حتى كيعانه، ويشيل الطين، وطين البرك على كعابه المشققة من لفحة أرض الهجير، ويخدم في الوسية، وزوجته تخدم في بيوت أصحاب الطين خدمة العبدللسيد، كان يزرع وغيره يحصد حبات العرق من على جبينه، يبيع تعبه وشقاه في بورصة القطن.
ومثلى كثير، منهم من تحصل والده العليل على معاش، وعاش بجنيهات المعاش، جنيهات تُقمن صلبه، وتعينه على الحياة، وربى أولاده من حلال، وعاش على سيرة الثورة، مخلصًا لشعاراتها وإن لم يُحسن الكلام مطرزًا بالعبارات الفخيمة، إنها ثورة شعب، ثورة ولاد الشعب، ناصر والضباط الأحرار.
ماتت أمى وهى تدعو لناصر، لأنه لم يبخل عليها من خير مصر كغيرها من الفضليات، كان إنسانًا، وتلونت ثورته بالإنسانية والكرامة الإنسانية التي كان ذروة سنامها عطفته على الفقراء.
لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا ذوو فضل، وكان فضل ناصر على جيلنا وأجيال سبقت وأجيال لم تُولد بعد.. فضلًا عظيمًا.