حمدي رزق يكتب: لعلهم يفقهون.. فيعتذرون
بشجاعة واقتدار، خرج علينا الكاتب الكبير الدكتور أسامة الغزالى حرب، باعتذار عن حسن ظنه طوال نصف قرن مضى بالإسرائيليين.. الاعتذار منشور في «الأهرام» وممهور بتوقيعه، تحت عنوان معبر تماما (اعتذار) على ما ظنه، وقدره، وعمل عليه، واتفق عليه شطرا من عمره.
ليت جماعة «المطبعون الجدد» ومن هم في طريق التطبيع السريع، ويرددون السردية الإسرائيلية غيبا، كالببغاء عقله في أذنيه، يقرأون كلمات أب من آباء التطبيع، ومفكريه، ويتعظون من خيبة أمل المطبعين الأوَّلين.
الغزالى حرب امتلك شجاعة الاعتذار في أخريات العمر، فهل يمتلك شباب المطبعين بعضا من شجاعة الغزالى ويعتذرون لوطنهم وأمتهم ولشعوبهم المنكوبة بهم وبأفكارهم وتخاذلهم ودعمهم للمخطط الصهيونى الذي يهدد قضيتنا الوجودية؟، أخشى لقد أسمعت لو ناديت حيـًا.. ولكن لا حياة لمـن تنادى.
شخصية الغزالى وعقليته المرتبة، ومنهجه البحثى، وأفكاره الليبرالية تجعل من اعتذاره حدثا مهما يؤشر على تحول عميق في بنية الفكرة المؤسسة للنظرية التطبيعية العربية القائمة على إمكانية العيش المشترك في سياق إنسانى حضارى يتجاوز الثارات التاريخية، ويستشرف مستقبلا تنعم فيه المنطقة بالأمن والأمان والاستقرار والازدهار.
أنقل اعتذار الغزالى الشجاع بنصه لعل وعسى يفقهون قوله..
«هذا اعتذار أعلنه- أنا أسامة الغزالى حرب- كاتب هذه الكلمات، عن موقفى الذي اتخذته، كواحد من مثقفى مصر والعالم العربى، إزاء الصراع العربى الإسرائيلى، بعد نصف قرن من المعايشة ومئات الدراسات والأبحاث العلمية والمقالات الصحفية، والمقابلات الصحفية، والزيارات الميدانية!. إننى أتذكر وقائع العدوان الثلاثى الذي شاركت فيه إسرائيل على مصر واحتلال سيناء عام 1956، وأتذكر بالتفصيل أحداث الهزيمة المريرة 1967. وأتذكر أيام حرب الاستنزاف، التي أعقبتها حرب أكتوبر المجيدة عام 1973. وتابعت- ليس فقط كمواطن، وإنما كدارس للعلوم السياسية- مبادرة السلام الشجاعة التي أعلنها الرئيس السادات وما أعقبها من اتفاقيات للسلام مع إسرائيل. وقمت عقب تلك المبادرة بزيارة إسرائيل مع وفد برئاسة الراحل الكبير د. أسامة الباز. وتفاءلت بعد توقيع اتفاقات السلام مع الأردن (1994) ثم مع منظمة التحرير بين ياسر عرفت وإسحق رابين (أوسلو1، أوسلو2) برعاية أمريكية.
وتحملت بعد ذلك الإدانات من معارضى «التطبيع» من المثقفين المصريين والنقابات المهنية وعلى رأسها نقابة الصحفيين.. وكان رأيى أنه بعد أن استعادت مصر كل شبر من أرضها، رافعة رأسها ومؤكدة كرامتها، يمكنها إقامة بناء علاقات سلام رسمية، مع الحق الثابت للمواطن المصرى في أن يتقبلها أو يرفضها.. وكنت أنا ممن قبلوها، متفائلا بأن تسهم تلك الخطوات في استكمال السلام الذي يعيد للفلسطينيين حقوقهم السليبة.. إننى اليوم- وقد تابعت بغضب وسخط وألم- ما حدث وما يزال يحدث من جرائم وفظائع في غزة يندى لها جبين الإنسانية، يقتل فيها آلاف الأطفال والنساء، وتدمر فيها المنازل والمبانى على رؤوس البشر، وتصف فيها جثث الأبرياء لا تجد من يدفنها، أقول إنى أعتذر عن حسن ظنى بالإسرائيليين، الذين كشفوا عن روح عنصرية إجرامية بغيضة.. أعتذر لشهداء غزة، ولكل طفل وامرأة ورجل فلسطينى.. إنى أعتذر!».