حمدي رزق يكتب: لماذا الأسمرات؟
مهم اختيار المكان، ودلالة المكان مهمة في التحليل الأخير، واختيار «الأسمرات» لاحتضان إفطار الأسرة المصرية، الذي صار تقليدًا رئاسيًّا سنويًّا في رمضان، اختيار موفق، إحياء لفكرة وتذكير بمنجز حقيقى على الأرض الطيبة.
صورة الرئيس التذكارية مع أطفال الأسمرات ستعمر طويلًا، الأطفال سعداء في الصورة المنشورة، الصورة تبرهن على النقلة الحضارية التي حظى بها ناس الأسمرات الذين استنقذتهم الدولة من «بطن الجبل»، وأخرجتهم من «مدن الموتى» إلى مدن الشمس المشرقة، كالعصافير تشقشق فرحة بالنور.
الأسمرات منطقة تقع في حى المقطم بمحافظة القاهرة، تم إنشاؤها لتطوير المناطق العشوائية في القاهرة، وتتمثل في مشروع على ثلاث مراحل على مساحة (١٨٨ فدانًا) تقريبًا، يُعتبر أكبر المشروعات الوطنية للقضاء على المناطق العشوائية، واستوعب المشروع في مراحله الثلاث أكثر من ١٥ ألف أسرة (نحو ٧٠ ألف مواطن).
بمناسبة حديث الأولويات، مشروع الأسمرات احتل أولوية أولى في أجندة الدولة، وتكلف نحو (١٠ مليارات جنيه)، وحى الأسمرات اليوم هو أقرب ما يكون إلى كمبوند سكنى متكامل، ويقينًا أهم المشروعات التي شيدتها الدولة في محاولاتها للقضاء على العشوائيات والنهوض بمعمار مصر وشكلها الحضارى.
الأسمرات ليست مدينة عادية، بل جد استثنائية، بناية حضارية، في فكرتها، وتنفيذها، واستمراريتها كنموذج للقضاء على العشوائيات التي كان خطرها قد استفحل، خطورة داهمة على ساكنيها.
وذكّر بكارثة صخرة الدويقة، وحكايات الدم والألم والأحلام المدفونة تحت الركام، وبالمصادفة انهار الجبل في شهر رمضان (صباح يوم السبت ٦ سبتمبر ٢٠٠٨ الموافق ٦ رمضان ١٤٢٩ هجرية).
كان حتميًّا في سياق «الجمهورية الجديدة» القضاء على العشوائيات الخطرة بطول وعرض البلاد بمشروع حضارى ينقل البشر من حال إلى حال، إلى حياة كريمة، شكلت العشوائيات زمنًا خطورة سرطانية داهمة تأكل في طريقها البشر قبل الحجر.
حجم ورم العشوائيات السرطانى كان قد استفحل في غيبة الدولة زمنًا، سكن البشر مناطق تهدد حيواتهم، لدرجة سكنى المقابر، وكان مخجلًا أن تكون بين ظهرانينا «مدن الموتى» يؤمها أحياء في حكم الأموات على قيد الحياة.
اجتماع الأسرة المصرية على فطور رمضانى في الأسمرات يُجلى الفكرة ويُسطِع نورها، ويُحييها في الأذهان، ويلفت النظر إلى نقلة حضارية تكلفت المليارات، وباتت نموذجًا معتمدًا في محافظات مصر التي نفرت إلى التخلص من العشوائيات، وفق هدف إنسانى عظيم، مصر بلا عشوائيات.
ناس الأسمرات ومثلهم في كل النماذج المماثلة بطول وعرض البلاد يلهجون بحجم النقلة الحضارية التي باتوا عليها، سكن حضارى يحظى بالخدمات الأساسية، حتى قصور الثقافة حاضرة، ووحدات علاجية وملاعب رياضية، ونقطة للشرطة وأخرى للإسعاف، ومكتب للبريد، فضلًا عن أسواق حضارية لتوفير احتياجات المواطنين بشكل كامل، وجرى تخصيصها لقاطنى العشوائيات الخطرة من مناطق (الدويقة وعزبة خيرالله واسطبل عنتر).
الأسمرات تشكل نواة مجتمعات جديدة، معنى ومبنى، تولد فرص حياة حقيقية بدعم لا محدود للارتقاء بالمواصفات الحضارية لناس جنت عليهم ظروف الحياة، امتدت لهم يد الدولة الحانية بحياة كريمة يستحقونها.
