حمدي رزق يكتب: مَكْتُوبٌ عَلى قَبْرِ الحَبيبة
المستشارة تهانى محمد الجبالى، نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا المصرية (السابق)، وأول امرأة مصرية تتولى مهنة القضاء فى الحقبة المعاصرة، وما زالت المرأة المصرية التى احتلت المنصب القضائى الأعلى فى تاريخ مصر.. توفيت قبل عامين فى ٩ يناير ٢٠٢٢، ومرت ذكراها حزينة، تذكّرها نفرٌ من المحبين، ولم ينساها الطيبون.. نذرت حياتها تناضل من أجل حياة كريمة، « فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ» (الواقعة ٨٩).
«وبالدمع جودى يا عين، إلى روحها فى الملكوت».. كلمات مدين بها، لا يعرف الفضل لأهل الفضل.. المستشارة الراحلة فى الذاكرة الوطنية نموذج ومثال لعظيمات مصر.
سيدة من جذر مصرى صميم، وطنية بالفطرة، مناضلة بالسليقة، لم تخشَ ولم تهادن ولم توالس على منعة وطنها، ولم تزايد على أقرانها المناضلين فى الميادين، ولا كانت يومًا من المفرّطين فى مصلحة وطنها، والشهادة فى حب الوطن أسمى أمانينا.. والشهادة لله لو كانت الراحلة العظيمة استدعيت لتذود عن الحدود ما تأخرت ثانية. كطود شامخ، وقفت للإخوان الإرهابيين فى عرض الطريق، وظلت على موقفها الوطنى الثابت والرافض حكم المرشد، حتى لقيت ربها راضية مرضية.
فى يوم ليس ببعيد، شبّت مناضلة وطنية على طريق سلكته عظيمات مصر الأُولَيات، يوم اجتمعت قوى البغى والضلال (إخوان وسلفيون والمؤلفة قلوبهم.. والتابعون) لكسر إرادتها، فلم تركع إلا لله، ولم تقف إجلالًا إلا لعَلم وطنها، ولم تُنشد سوى نشيدها: بلادى بلادى بلادى.
ما حادت عن الطريق الوطنى قط، ظلت على الطريق المستقيم، لم تنحرف بوصلتها ولم تنجرف تحت زعم كاذب روَّجه المرجفون فى المدينة ليرضى عنهم مرشد الضلال.. لم تحج يومًا خفية إلى مكتب الإرشاد.
كانت مثل الملاك الحارس على ثورة شعب، تنافح وتقاوم، وضحَّت بموقعها «نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا» فداءَ وطن كاد يختطفه إخوان الشيطان، تزول المناصب ويبقى الوطن.. وعلى طريقة أجمل أغانى «لطفى بوشناق»: «خذوا المناصب والمكاسب لكن خلولى الوطن..».
حاولوا كسر إرادتها بفحش الحكى والكذب والضلال والتضليل، فشلوا، وما علق بسيرتها الطيبة كلمة.. وكمنوا لاغتيالها، فما خشيت، نفرت تزمجر غاضبة، متحدية رئيس الإخوان وجماعة الإخوان فى سدة الحكم.
الله يرحمها، كانت مقاتلة جسورة من طراز رفيع، كان الإرهابيون يخشونها ويفرّون من وجهها، وخشوا أن يقسم رئيسهم القسم الجمهورى (الباطل) فى ظل وجودها بالمحكمة الدستورية (نائبًا لرئيسها)، فتآمروا بليل لإقصائها.. وبفعل تآمر أسماء معروفة بخيانتها، خرجت المستشارة مرفوعة الرأس من المحكمة ترفع علم مصر وتهتف بسقوط المرشد، وما تركت فضائية مصرية أو عربية أو أجنبية إلا وأثخنت الإخوان فى معارك مشهودة.
حاول الإخوان إرهابها بسيل من الإهانات والمرويات المكذوبات وتهديد أمنها، وما هانت ولا لانت عريكتها، وصدحت بخيانة الجاسوس الإخوانى وقت تخفّى الأفاكون من ثورة الشعب، يبحثون عن مخرج ينقذون به الجاسوس الخائن.
الراحلة العظيمة كانت تعرف خطورة الإخوان على تاريخ مصر جيدًا، طالعت الكتاب باكرًا، لعبة الأمم.. لعبة خطيرة، ولم تأبه لحقد حاقد مأجور، ودافعت عن الحياض المقدسة ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.