حمدي رزق يكتب: وردة على قبر وحيد حامد
رأس السنة من كل عام يذكّر برحيل أعز الأحباب، رحيل الكبير «وحيد حامد» فى (٢ يناير ٢٠٢١)، رحل الأستاذ إذ فجأة، قطع بنا، كان ملاذنا عند الشدائد، ومرشدنا فى مفترق الطريق، وناصحا أمينا.
رحل طيب الذكر قبل أن يكتب ما تيسر من سيرة الكبير «وحيد حامد»، فى خضم الحياة ننسى أنفسنا، ننسى فلا نأسى، انشغل طيب الذكر عن نفسه بالهم العام، عاش مهموما ورحل مهموما، يخشى على أغلى اسم فى الوجود.
ما ادخره الكبير كتابة كتير، كان يملك أجندة مشروعات سينمائية كانت تحتاج إلى عمر أطول من عمره القصير، والبركة فى الموهوب المخرج الكبير «مروان حامد» يكمل مشوار والده العظيم. مروان بما يقدمه من إبداعات سينمائية بالحرف «ابن أبيه».
وردة على قبر من أحببت، فقد عظيم، افتقدنا حكاء من الحكائين العظام، امتلك ناصية الكلم والقلم، قلمه ما كان يخطّ سوى حروف اسم مصر، وما كان ينطق إِلَّا باسم مصر.
تحمل الكبير غرما، معركة التنوير التى خاضها لم تكن نزهة خلوية، والإصرار عنادًا على كشف المستور من مؤامرات تحاك لهذا الوطن فى السراديب المظلمة كلفه غاليا، تعب قلب وحيد ولكنه لم يركن لتعب القلوب، كان يعود من غيابات المرض فارسا فى مواجهة طيور الظلام.
كل حرف كتبه الأستاذ وحيد، كل مشهد تخيله، كل معركة فى حرب طويلة خاضها ضد الإرهاب والفساد، تشحذ عزمنا على المسير قدما فى طريق التنوير.
كنا صغارا نتحلق من حوله، مثل مريدين فى معية شيخ عمود فى الرواق الكبير، وما تخلفنا كبارًا عن المثول بين يدى الكبير، نبحث معه عن ضوء فى نهاية نفق مظلم.
قيمة الأستاذ وحيد الباقية، النموذج، نموذج المثقف الوطنى العضوى، المثقف المنتمى، وترجمتها فى الأدبيات الوطنية. جندى مجند فى حب مصر، ما كان يقبل على مصر حرفا ينقض وضوءها.
الله يرحمه، ما كان يسكت عن قول حق، لا يخشى، ولا يهادن، ولم يوالس قط، كان يفرغ كلمات كالرصاصات الحارقة فى قلب رداء الكذب والزيف والرياء، يكشف الأقنعة عن وجوه زائفة.
وكم خاض الأستاذ وحيد وحيدا معارك ضارية، شاهرا قلمه (سيفه) فى وجه الكهنوت المهيمن على الحالة المصرية.. التدين الشكلانى، والتدين العابر للحدود، والسلفية المراوغة، والإخوانية العقور.
فإذا جاء أجلهم، ترجل الفارس بعد أن أثخنته الجراح بعد معارك ضارية فى مواجهة طيور الظلام. لا غرابة أن يكره سيرته السلفيون والإخوان والتابعون، ويُجمع على ذِكره الطيب الطيبون، ملح الأرض الطيبة كانوا حبه وزاده وزوّاده فى رحلة عمر، رحلة حب.
أحب مصر وتمناها عظيمة، كما تمناها كل المحبين، رحل متفائلا بمصر الجديدة، كان يراها قادمة من خلف السحاب بوجه صبوح، يلتقيها كناسك فى محرابه بابتسامة صافية وهو يقرأ وِرده كل صباح قبالة النهر الخالد.