حمدي رزق يكتب: وقائع فساد معلن!!

أتمنى على العزيزة الدكتورة «مايا مرسى»، وزيرة التضامن الاجتماعى، أن تطلب من فورها حيثيات حكم المحكمة التأديبية فى الدعوى (رقم ٤١٧ لسنة ١٠ قضائية)، بمجازاة عدد من الموظفين العاملين بقطاع الشؤون الاجتماعية ومكاتب البريد فى (محافظة بنى سويف) بعد ثبوت ارتكابهم مخالفات جسيمة تمثلت فى الإهمال الجسيم، والتسهيل والاستيلاء على مبالغ مالية مخصصة لمستحقى برنامج «تكافل وكرامة»، فى مخالفات متكررة خلال عامين.
سترى الوزيرة عجبا، وستسمع عجبا، وستقف بفطنتها على العجب العجاب، جملة جرائم استيلاء، وتسهيل استيلاء على بطاقات معاشات «تكافل وكرامة» من المنبع، من مكتب البريد، بتوقيعات وهمية، وأختام مجهولة، وبصمات أصابع غير حقيقية.. حتى بصمات الأصابع مزورة!
وقبل الخوض فى بحيرة المياه الآسنة، يلزم القول: برنامج «تكافل وكرامة» باستحقاق هو البرنامج الأكثر نجاحًا فى الوصول بالدعم النقدى المباشر للفئات الأكثر احتياجًا.. وللأسف، يستباح من قبل فئة ضالة من العاملين عليه فى النهايات الطرفية (فى بعض مكاتب المحافظات).
حجم تمويل البرنامج (٤١ مليار جنيه) سنويًا، وعدد المستفيدين ورقيًا نحو (٢١ مليون مواطن) يمثلون (٥.٢ مليون أسرة).. ما يرشحه استحقاقًا نموذجا ومثالا لإعانة الطبقات الأقل دخلا.. والبرنامج يعد واحدة من التجارب الناجحة عالميا.
والسؤال بعيدا عن تستيف الورق فى مكاتب الوزارة فى الأقاليم: هل يصل كل دعم «تكافل وكرامة» إلى كل مستحقيه فعلا؟، هل الـ٢١ مليون مواطن المسجلون يستحقون جميعا هذا الدعم النقدى المباشر، هل تذهب المليارات الـ٤١ إلى مستحقيها؟!.
أسئلة شائكة تستحق إجابات رقمية من واقع بطاقات الرقم القومى، وبطاقات الصرف، وتوقيعات مكاتب البريد.. ثمة شكوك تراوح مكانها فى تسرب جعل ليس باليسير من هذه المليارات إلى غير مستحقيها الفعليين، عبر بيروقراطية فاسدة عريقة الإجرام تستأثر بأموال البرنامج فى النهايات الطرفية تشيرها وتجيرها، وتشهلها للأقارب والمحاسيب.
ليطمئن قلبى، هلا راجعت الوزارة مركزيا كشوف المستفيدين إجمالا وتفصيلا؟، هل دققت فى استحقاق كل من يتحصل على مساعدات البرنامج؟.
التحقيقات فى القضية مزعجة، عصابات بيروقراطية فاسدة تقطع الطريق على وصول الدعم إلى مستحقيه، يستحلون جنيهات الغلابة استحلالا، يأكلون سحتا، فى بطونهم نارا.
هناك فى النهايات الطريفة من يستحلون مليارات البرنامج لصالح طبقة تشكلت من المستفيدين، دون وجه حق، استغلالا للإغداق الحكومى على برنامج مهم وضرورى وحيوى، وجارٍ مركزيا ضم الآلاف من الأسماء إلى البرنامج لتوسيع رقعة تغطيته الاجتماعية.. مستوجب التحقق من الأسماء جديا دفتريا، ليس أبدا طريقة الورق ورقنا، والدفاتر دفاترنا!!.
جد وبجد، من ذا الذى سيراجع وراء مافيا تموضعت فى مفاصل البرنامج، ولو تقرر المراجعة هم المراجعون، ومن ذا الذى سيراجع استحقاق ٢١ مليون مواطن بعضهم التحق بالبرنامج غصبا طمعا فى جنيهات الغلابة؟!.
«تكافل وكرامة» عنوان الستر لملايين المتعففين تحسبهم أغنياء من التعفف، لكن لصوص المال العام يتربصون بهم الدوائر، الفاسدون فى الجهاز الحكومى لا يعرفون للتعفف طريقا، يسلكون طرقا خفية لمص دم الفقراء، مليارات «تكافل وكرامة» ليست نهبا موزعا، ملايين البرنامج من لحم الحى، قبلة حياة لمن جار عليهم الزمن.
البعض يأكلون فى بطونهم نارا، سُحتا وهم لا يشعرون بتأنيب ضمير.. ضمائرهم ميتة من زمان، نفر من عديمى الضمير لا بيرحموا ولا بيسيبوا رحمة ربنا تنزل على الغلابة، قطعوا عنهم الحليبة والرايبة، حتى جنيهات الغلابة فيها مطمع.. أخطر من الفساد الكبير هو الفساد الصغير. القضية أعلاه تبرهن على خطورة فساد صغار البيروقراطيين!.