حمدي رزق يكتب: يا روح ما بعدك روح!!
أحسن وزير الخارجية، «سامح شكرى»، قولًا، فى الأمم المتحدة: «مصر التى تقر بحق الشعب الإثيوبى فى التنمية تؤكد أن ذلك لم ولن يعنى أبدًا التهاون فى حق الشعب المصرى فى الوجود، الذى ارتبط بنهر النيل منذ فجر التاريخ».
حديث الحقوق لغة دولة متحضرة، لهم حقوق ولنا حقوق، نقر بحق الشعب الإثيوبى فى التنمية، ونشدد على حق الشعب المصرى فى الوجود. مياه النيل فى إثيوبيا قضية تنمية، ولكن فى مصر قضية وجود، وليس من العدل أن تنهض بشعب بتهديد حياة شعب لم يَضِنّ عليك بالحق فى الحياة.
مصر لا تطلب الكثير، «اتفاق قانونى ملزم بشأن ملء وتشغيل سد النهضة، على أساس إعلان المبادئ المُوقَّع بين الدول الثلاث عام ٢٠١٥»، وهذا يعنى الكثير لشعب وادى النيل، الأمن المائى، وهذا حق مستحق. هل يُضير حكومة «أديس أبابا» أن ترعى حقوق الجارتين الشقيقتين (مصر والسودان) وهى تجتهد فى التنمية؟!.
فى كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى نيويورك، يشدد «شكرى» مجددًا على موقف مصر الثابت
«ضرورة التوصل دون تأخير أو مماطلة إلى اتفاق قانونى ملزم»، وهذا ما تماطل فيه حكومة «آبى أحمد» وتعمد إلى إفشاله، سواء أكان تحت مظلة الاتحاد الإفريقى، أو تحت العَلَم الأمريكى (أيام ترامب)، وتنسحب فى اللحظات الأخيرة تعقيدًا للموقف، وتبضُّعًا للوقت لإكمال بناء السد، وفرض أمر واقع من فوق الهضبة.
مصر الرسمية تتمتع بالصبر وطول البال وضبط النفس، لكن مصر الشعبية غاضبة مما يفعله «آبى أحمد» فى المنابع، وتستغرب الإصرار على الإضرار، وهذا مستجَد على العلاقات المصرية/ الإثيوبية، لماذا كل هذا العداء؟!.
الصبر على البلوى لا يفسر ضعفًا، والرغبة فى اتفاق ملزم عبر طاولة الحوار لا تترجم «قلة حيلة»، مصر لا تعدم خياراتها، وكل الخيارات فى مكنتها، فلا تستفزوا الشعب المصرى، ولا تحُكُّوا أنوف المصريين، إياكم والغضب، مصر إذا غضبت دمدمت.
مصر الرسمية عنوانها «مياه النيل خط أحمر»، والخط الأحمر لغة يفهمها أصحاب العقول، صحيح أن النيل لن يتوقف عن الجريان من فوق وتحت السد، هذا بفعل الطبيعة وبأمر الله واهب الحياة، ومحاولة تعطيش الشعب المصرى ستفشل حتمًا، ولكن ساعتها «يا روح ما بعدك روح».. وهو مثل شعبى مصرى قح فيه عبرة لمَن يعتبر.
حتى ساعته مصر عقلها وقلبها مفتوحان لاتفاق قانونى ملزم مؤسَّس على الحقوق، وبالتحديد الحقوق التاريخية لدول المصب واستخداماتها، والأمن المائى بمعنى الإخطار المسبق، وأخيرًا الإجماع اللازم تحقيقه بين دول الحوض لإقرار السياسات والمشروعات المائية العاجلة والمستقبلية.
القاهرة لم تتأخر يومًا عن المفاوضات، مستعدة للعودة إلى مائدة التفاوض وفق احترام تلك الثلاثية المعتبرة على طول الحياة على النهر، وهى تدافع عن حقوقها الثابتة.. لا تعتدى على حقوق أحد، ولا تفتعل الأزمات مع دول المنابع، وبينها صلة رحم وقربى، نشرب من ماء واحد.
لا ينكر مُنصف حق الشعب الإثيوبى فى التنمية، ولكن هذا لا يترجم عدوانًا على حق الشعب المصرى فى الحياة، فهذا من قبيل العدائيات المجانية التى لا تُسمن ولا تُغنى من جوع. حوض النيل مش ناقص أزمات، فيه اللى مكفِّيه وفايض على الشطآن ومغرَّق الجسور، وأرجو مخلصًا تحكيم العقل، وتفهُّم معنى بيت الشعر العربى الذى شدَت به السيدة أم كلثوم: «أَمِنَ العدل أنهم يردُون الماءَ صَفْوًا.. وأن يُكدَّرَ وِرْدِى؟!».