حمدي رزق يكتب: Golda بعيون مصرية
لا تخرج من فيلم «Golda» إلا وتردد «Thank you for your cooperation».. بالعربية «نشكر لكم حسن تعاونكم».
صناع فيلم Golda فى محاولة درامية لرسم صورة إنسانية لسيدة إسرائيل الحديدية «جولدا مائير» أبدعوا أيما إبداع فى تجسيد الهزيمة المذلة التى حاقت بجيش الدفاع الاسرائيلى فى حرب أكتوبر ٧٣.. انتصروا لجولدا وهزموا جيش الدفاع شر هزيمة.
ارتسمت المذلة والمهانة والانسحاق على وجوه قادة إسرائيل ومحل فخرها، الهزيمة النكراء ظلت مرسومة على وجه «جولدا مائير» طوال الفيلم الذى يختصر ٢٢ يومًا من الذل والهوان.
الدموع المتحجرة لم تغادر عينى جولدا، وصفًا مقهورة، مذبوحة بسكين، نازفة حتى نزفت الدماء من حلقها، وهى ترى الفشل مجسدًا على وجه وزير دفاعها الشهير «موشيه ديان» يطل من عينه الوحيدة، وانهياره وانسحابه مستقيلا يجرجر أذيال خيبته.
٨٨ دقيقة من المحتوى الرمادى، الفيلم بألوان كئيبة، حال إسرائيل فى أتون الحرب تلخص أيامًا طويلة من الذل والهوان، والبكاء والعويل، والاستغاثة المذلة لحدود التسول من الأمريكان.
وقمة الانتصار المصرى وجولدا تسمع بأذنيها على الهواء مباشرة نحيب جنودها المنسحقين على الجبهات، وفرارهم كالجرذان أمام جنود السماء، وتدوّن فى مفكرتها الصغيرة بيد متيبسة وبخط ركيك أعداد القتلى والجرحى والأسرى، وكل ثانية تمر عليها أمرّ من سابقتها.
جولدا تمنت الموت خلاصًا، وأوصت سكرتيرتها بنحرها حتى لا تساق تحت أقدام السادات فى القاهرة أسيرة.
«جولدا» عنوان الهزيمة،خاضت المأساة وهى تقاسى سرطانًا مستشريًا فى الغدد اللمفاوية، استلزم علاجات مضنية، قاومت السرطان واقفة على قدميها، منتعلة حذاءها الشهير «حذاء جولدا».. ولكنها ركعت ذليلة تحت وطأة الهزيمة.
امرأة قوية، سيدة حديدية، ولكن مرضها الحقيقى كان الله يرحمه الأسطورة المصرية «السادات»، كان شبحها المخيف، وتمنت لو امتد بها العمر لخنقته بيديها عاريًا، لكنها فى نهاية الفيلم مضطرة مازحته وأهدته هدية لحفيدته.
Golda أفضل دعاية لنصر أكتوبر.. فشل فى تبرير الهزيمة، جسّدها، فشل بامتياز فى توليف نصر مزيف، المحتوى كاشف، والصورة فاضحة، وجولدا تتجرع الهزيمة مع حبوب السرطان، جد نشكر لكم حسن تعاونكم.
Golda ليس فيلما دعائيا لإسرائيل، ولا يمجّد جيش الاحتلال، ولا يغيّر من حقيقة الكارثة التى حلت بإسرائيل يوم كيبور.. دعك من تضخيم «الثغرة»، بعض من مساحيق التجميل على وجه جولدا المتغضن، جولدا تعترف بالعجز والهزيمة.. تزعق: السادات قادم إلى القدس.. تخشى أن تعرض كأسيرة فى شوارع القاهرة..
شاهدوا الفيلم جيدا وبلغته، الترجمة لا تفى بالغرض، مشهد جولدا وهى مرمية كجثة هامدة على الأرض وحيدة باردة الأطراف ودموعها جامدة فى عينيها من قسوة الهزيمة، مشهد رهيب يدحض وثائق جيش الدفاع المفبركة.
العبور العظيم يوم كيبور كان زلزالا مدمرا لم تبرأ منه إسرائيل حتى ساعته وتاريخه، فيلم Golda يقوض أسطورة موشيه ديان، يرسمه على حقيقته، مغرورا ثم مذهولا، فمهزوما.. خرج من اجتماع جولدا يجرّ أذيال الخيبة، ويتدارى وراء عصابة عينيه السوداء.
حتى شارون المهووس، مشهد سرقة قطعة من كيكة جولدا خفية يشى بحقارة هذه الشخصية التى كرهها حتى الإسرائيليون.
شاهدوا Golda لتعرفوا عظمة أكتوبر التى أذلت سيدة إسرائيل الحديدية وأعناق قادتها التاريخيين، لولا نفرة اليهودى «هنرى كيسنجر» لنجدة جدته جولدا لكان للتاريخ وجهٌ آخر غير وجه جولدا الكريه.