مقالات

دول العالم الثالث وثقافة الوقت المفتقدة

دول العالم الثالث وثقافة الوقت المفتقدة

دول العالم الثالث وثقافة الوقت المفتقدة
حمادة سعد

بقلم: حمادة سعد

في مطلع أربعينيات القرن الماضي وبعد الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي والشيوعي أطلقت الأمم المتحدة مصطلحًا صنفت فيه الدول تبعًا لقوتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وأدرجت فيه الدول الأقوى في تلك المجالات تحت مسمى ” دول العالم الأول ” وجاءت مؤشرات التصنيف لتشمل الوضع الاقتصادي والسياسي والاستراتيجي ولم تخل من مقارنة الدخل السنوي للفرد عالميًا ، و كذا مستوى المعيشة ، ومقدار التضخم بما يحدد القيمة الشرائية الفعلية في تلك الدول تمييزًا لها عن غيرها .

وتصدرت الدول الصناعية الكبرى – الأكثر ازدهارًا في تلك الفترة – القائمة تتضمن ” كثيرًا من دول القارة الأوروبية ، وأمريكا الشمالية ، وأستراليا ،واليابان ” ، والملاحظ أن كل تلك الدول كان العنصر المشترك فيما بينها هو الاهتمام الشديد بالوقت ، وتقدير قيمة العمل ، ومقارنة الوقت والجهد المبذول بما تم إنجازه على أرض الواقع ، وتأمين كافة الظروف المعيشية الطبيعية للمواطنين ؛ لخلق مساحة من الإبداع والتجديد .

وارتباطًا بهذا المصطلح جاء مصطلح ” دول العالم الثاني ” ليشمل الدول الشرقية من قارة آسيا وعلى رأسهم ” الاتحاد السوفيتي ” مهد الشيوعية التي دخلت في حربها الباردة رافضة أفكار ومبادئ المعسكر الرأسمالي الصناعي بضراوة ، كما جمعت تلك الدول بين الرخاء والفقر في آن واحد .

أما ” دول العالم الثالث ” كما أسماها عالم الاقتصاد والسكان الفرنسي ” سوفيه ” في خمسينيات القرن الماضي أو ما نسميها اليوم ظلمًا بالدول النامية ” بمشكلتها لا تحصرها السطور ولا تعبر عنها الكلمات ؛ لأنها ومع الأسف الشديد دول تعاني من التدهور الاقتصادي الحاد نتيجة لعدم التكافؤ بين مواردها الطبيعية وتعدادها السكاني من ناحية أخرى ، وكذلك لأنها دول تائهة بين عالمين متناقضين وهما العالم الأول الرأسمالي الذي لا يرحم و العالم الثاني الشيوعي الاشتراكي الذي لا يحمل ملامح واضحة تصلح للبناء عليها وهذا بدوره يفقده طابع الثبات.

ولكن الأزمة الأكبر لدول العالم الثالث لا تكمن في هذا النوع من الصراع الأيدلوجي البحت بين هذين العالمين سالفي الذكر ، بل في الثقافة العامة والمجتمعية على حد سواء فليست نظم الإدارة الحكومية القائمة على الروتين ، وافتقاد قيمة الوقت ، بل وإهداره بصورة شبه متعمدة من معظم المؤسسات الحكومية دون استثناء ورداءة مستوى الخدمات هي السبب الأوحد ؛ حتى لا يجانبنا الحياد ونتجنى بمزاعم وعبارات رنانة دون بينة وبرهان ، في الثقافة المجتمعية الواعية بقيمة الوقت أيضا من أهم عناصر النجاح إذا أردنا النجاح .

لذا علينا كأفراد أن نعي حقوقنا ، و واجباتنا قبل أي شيء ونبدأ بتأدية الواجب قبل المطالبة بالحق ، فـ “من واجبات الأفراد تتولد الحقوق ” وهذا قانون اجتماعي يعمل به لدى معظم الدول التي سارت على جادة الطريق فحققت نجاحات وإنجازات أسهمت في الرقي بشعوبها وتقدمهم .

والحقيقة تقال أنني لست مفتونًا بما حققه الغرب من إعجاز على كافة الأصعدة في سنوات يسيرة بقدر صدمتي من إهدارنا للوقت مع علمنا أنه السبب الأول في نجاحهم ،كما أنه أيضًا السبب الأول في فشلنا وتخلفنا .

وكنت أود أن أخص بعض مشاهداتي الخاصة من خلال تعاملاتي اليومية في بعض المؤسسات الحكومية والتي لمست فيها لا مبالاة وعبارات عفا عليها الزمن كأن تذهب لمؤسسة ما لإنجاز غرض ما فتسمع بأذنيك جملة ” مش موجود تعالى بكرة ” أو أن ترى المشاهد التي كنا نسخر منها على شاشات السينما والتليفزيون للموظفة التي تجهز غداء أولادها على أوراق العملاء ، لكنني أكتفي في سطوري الضئيلة وعباراتي المتواضعة لكل من يريد السباق والخروج من مصطلح ” العالم الثالث ” بحكمة كانت تقال لنا صغارًا في المدارس ” الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك ” 

ولكن تُرى هل وقتنا فعلا كالسيف ؟!

 

نهى مرسي

نائب رئيس تحرير الموقع
زر الذهاب إلى الأعلى