دينا شرف الدين تكتب .. ” أسرة صغيرة حياة أفضل”.. الزيادة السكانية ألد أعداء التنمية
كما هو المعتاد تفتح الدولة المصرية كافة الملفات الحيوية، وتطرح جميع المشكلات الاجتماعية التي نالت من المصريين لتدرس الحلول، وتقدم الدعم وترفع من درجات الوعي الاجتماعي التي تدنت وتضاءلت بالعقود الأخيرة وأضرت بالمجتمع اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وتعليمياً كما لم يحدث من قبل.
وقد كانت أهم تلك الملفات الحيوية التي تتضمن بنودها غالبية المشاكل والمعاناة التي يتضرر منها المواطن المصري وهي المشكلة السكانية، التي تفاقمت لتتربع على عرش الأزمات التي تستلزم الحل السريع، إذ أنها تلتهم بطريقها الأخضر واليابس والتي لن تتضح معالم خطة التنمية الشاملة لتؤتي ثمارها بما يحقق بعض الرخاء والهدوء للمواطن المصري لطالما استمرت الزيادة السكانية بتلك المعدلات المخيفة.
فقد تم إطلاق المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية، والذى يهدف إلى الارتقاء بجودة حياة المواطن والأسرة بشكل عام من خلال ضبط معدلات النمو المتسارعة، والارتقاء بخصائص السكان.
وتعد خصائص السكان أحد عوامل قوة الدولة، مستوى التعليم، معدل الفقر، فرص العمل، فالقضية السكانية هي قضية شعب مصر، وتحقيق التنمية لا يمكن أن يتم في ظل هذا النمو السكاني المرتفع.
وتستهدف الخطة السيدات من 18 حتى 40 سنة، طلبة الجامعات، تلاميذ المدارس، أطفال القرى والنجوع، تجمعات الريف، رجال الدين، الداعيات والراهبات، ويشمل النطاق الجغرافي للخطة جميع أنحاء الجمهورية، والمدى الزمني لتنفيذها ثلاث سنوات.
لا أدري من أين أبدأ، لكنها دائرة مغلقة متشابكة خطوطها كل منها نتيجة للآخر، وما علينا الآن إلا الخروج الآمن منها لإنقاذ المجتمع والثقافة والهوية المصرية التي تلوثت وتغيرت وتبدل الكثير من ملامحها.
وإن تأملنا الصورة جيداً سنري جلياً المتهم الحقيقي الذي يخفي وجهه ويستتر خلف السُتُر المختلفة الأشكال ذات المسميات المتعددة، ليدفع بها واحدة تلو الأخرى، لبث السموم ونفخ الخبائث دون أن نري له وجه!
فمنذ منتصف الخمسينيات وحتى أواخر الستينيات قد فر عدد لا بأس به من أفراد جماعة الإخوان المسلمين من ملاحقة عبد الناصر، ممن نجوا من السجون بعد كوارثهم المعتادة التي ارتكبوها بحق الوطن من عمالة وخيانة واغتيالات، منذ بزوغ تنظيمهم على أرض مصر كجماعة بصناعة وتمويل إنجليزي معلوم.
إذ استقر هؤلاء الفارون غالباً خارج مصر، ووجدوا ضالتهم في الفكر المتطرف، وتضاعفت ثرواتهم، وتمكنوا من ترتيب أوراقهم جيداً ليعودوا تدريجياً بعد وفاة عبد الناصر وتوجيهات السادات بإتاحة بعض الوجود للإسلاميين، وإخراج الكثيرين منهم من السجون رغبة منه بإحداث حالة من التوازن بالمجتمع بين اليمين واليسار الذي قويت شوكته بهذا التوقيت!
أما عن تأثر المجتمع بعودة العائدين من الخارج فقد كان كبيراً متغلغلاً بالثقافة المصرية العريقة والهوية المصرية الصلبة كالسم بالعسل.
فقد بدأت الخطورة باصطحاب هؤلاء العائدين للكثير من المفردات اللغوية الغريبة علينا، لتقتحم آذاننا مفردات لسنا بحاجة إليها، إلى جانب اللافتات التي انتشرت بشكل سريع لتعلو واجهات المحال التجارية والصيدليات ومحال الألبان وغيرها!
ثم توالت نفثات الشياطين تنتشر بغفلة منا، ليتغير الشكل الحضاري الراقي الذي تميز به المصريون، الغني منهم والفقير، الأرستقراطي منهم و الشعبي، ويتحول إلي شكل آخر غريب علينا، بداية من الزي الموحد الأسود للنساء واختفاء الأناقة التي لا تخل بالوقار والاحترام، ليتم شحن البسطاء وغير البسطاء أحياناً بالأفكار المسمومة التي تحرم كل شىء وتهتم بالصغائر والخزعبلات، و ترتكز على التخويف والترهيب لتطيح بسماحة واعتدال ووسطية الإسلام كما اعتاده المصريون.
وتم العبث بالشخصية المصرية وإخراجها عن شكلها ومضمونها، لتتحول شيئاً فشيئاً من التحضر والرقي إلى التراجع والتدني الفكري والثقافي والفني والديني، لينتهي بها الأمر منذ أقل من عقدين من الزمان إلى الاقتراب من الثقافة المتشددة، والتي دون شك أصابت المجتمع بالتخلف الفكري ونشرت الجهل والخرافات التي انتهت بنا إلى مجتمع لا يبالي بما كان يسمي بتنظيم الأسرة!
إذ أتذكر جيداً عندما كنت طفلة، كنت أحفظ عن ظهر قلب أغاني إعلانات تنظيم الأسرة التي كانت تذاع مرارًا وتكرارا بالقنوات الرسمية، وما تحققه من توعية مباشرة وغير مباشرة لهذه الأسرة، تلك التي قد استجابت بالفعل لعملية تحديد النسل، وباتت غالبية الأسر المصرية تقرر أن تكتفي بطفلين فقط، لتتمكن من رعايتهم مادياً وخلقياً وتعليمياً، ومن كان يخرج عن المألوف كان مجرد استثناء.
ذلك قبل أن تتوقف نهائياً تلك الحملات الإعلانية التوعوية الجميلة ويتغير شكل وفكر المجتمع، ليتباهي كل زوج وزوجة بعدد الأولاد وتحريم عملية تحديد النسل كتبعة من تبعات التطرف الفكري الذي أصاب المجتمع في مقتل.
نهاية:
إن كنا نرجو إصلاح ما أفسدته سنوات العشوائية والجهل وتراجع الوعي، فعلينا بالعودة السريعة للتفكر والتعاون الذي سيعم علينا جميعاً بالخير، فكيف لنا أن نتطلع لحياة أفضل ومعيشة أرغد ورعاية صحية وتعليمية ورخاء اقتصادي ونحن نتزايد بهذا الشكل المرعب الذي لن تلاحقه كافة الإصلاحات؟
فالدولة لا تمتلك العصا السحرية لتلبية كافة الاحتياجات دون تعاون جاد ومساندة شعبية حقيقية، إذ أن الدولة كالأسرة التي يعجز ربها عن تلبية احتياجات أبنائه الكثر، فإن كانوا أقل نال كل منهم حظاً أسعد من هذا الذي لديه من الأولاد ما يحني ظهره ويقلل من حيلته ليفي بمتطلباتهم.
فما يتم توزيعه على اثنين لن يكون ذا قيمة إن كانوا خمسة.
ولنعود من جديد لـ “أسرة صغيرة.. حياة أفضل”