دينا شرف الدين تكتب: “بسنت” ضحية مجتمع متنمر
“قالت لهم والله صور متركبة وإن الشابين اللى حاولوا يكلموها هددوها علانية بعد رفضها مجاراتهم، وفجأة لقت نفسها متهمة بالرذيلة وعار على أهلها وبلدها ومادة للتلسين والتنمر بالمدرسة والشارع، فكان الخيار الأمثل هو إنهاء الحياة بحبة غلة متاحة بسهولة لمخلوقة ضعيفة لا تملك حتى حق الدفاع عن نفسها أمام من ليس بصدورهم قلوب ترحم ولا برؤوسهم عقول تفهم”. وتتوالى تبعات العنف ضد المرأة والاستهانة بها والتقليل من شأنها بمعتقدات عميقة راسخة بالوجدان حتى وإن تظاهر الكثيرين أنها قد كانت ولم تعد.
فبالرغم من هذا التكريم وتلك الحفاوة التى حظت بها المرأة المصرية بعهد الرئيس السيسى وما تقلدته من مناصب رفيعة غير مسبوقة، وتقدير كبير لقيمتها التى كانت قد فقدتها بسنوات التشدد وغزو الثقافات البدوية الدخيلة التى أهانتها وقلصت دورها بالمجتمع وسلبتها حقوقها ونالت من كبريائها، وجعلت منها مجرد عورة وجب تغطيتها بالكامل ودفنها بالحياة تحت شعار الحفاظ عليها من الفتنة ونظرات الرجال، ومنعها من المشاركة بالعمل الذى كانت تتفوق به وتثبت بحق عندما كان لها الحق بالإثبات أنها تتساوى بالرجل فى كل شئ وربما تتفوق عليه بأشياء كثيرة، ما زال هناك من يعتنق النظريات القديمة ويتمسك بالأفكار العقيمة البالية التى بكل تأكيد ليست منا ولا تمت لنا بأى صلة .
فإن عدنا بالزمن إلى أصولنا وجذورنا العميقة منذ عهد المصريين القدماء وفتحنا كتب تاريخنا الطويل جداً وبحثنا عن أهمية المرأة وتقديرها ودورها فى المجتمع وتقديس الزوج والابن لها، سنجد أنفسنا قد سقطنا حقاً من قمة الرقى والتحضر والإنسانية إلى قاع التبجح والتأخر وانعدام الرحمة وتجاهل تعاليم الأديان!.
فقد كانت الدلائل التى تركها المصريون القدماء تؤكد كل التأكيد على ما تمتعت به المرأة فى مصر القديمة من تقدير إنسانى ومكانة اجتماعية، وما حققته من نجاحات فى مختلف المجالات الحياتية، حتى صارت ملكة تحكم البلاد، وقد وصلت بحق إلى مكانة لم تصل لها النساء فى أى موقع آخر على كوكب الأرض.
فالمرأة هى نصف المجتمع التى إن صحت مادياً ومعنوياً وتحررت من أغلالها، وعوملت المعاملة التى تليق بها كما أمر الله صلح المجتمع واستقام واعتدلت كفتى الميزان بين نصفيه .
والمرأة هى الأم والزوجة التى تعد عماد الأسرة ورمانة الميزان بها، والتى تجاهد بحق من أجل الحفاظ على تلك الأسرة وبقائها وتبذل ما بوسعها وما يفوق طاقتها للم شملها حتى وإن كان الزوج غير مبالٍ!.
غير أن قدرة المرأة على التحمل كبيرة جداً وعظيمة، فما تبذله النساء من مجهودات وما تتحمله من أعباء لا يقل عن جهاد الجنود على جبهات القتال فى الحروب الكبرى.
فكيف لنا أعزائى أن يتعسنا الحظ بالحياة فى مجتمعات ذكورية تدعى كذباً المساواة والاعتدال وتقدير النساء ومنحهن كافة حقوقهن دون ظلمهن والنيل من كرامتهن وكبريائهن ووأد عبقرياتهن والتقليل المتعمد من شئونهن؟
بل إن الأزمة التى باتت تهدد المجتمع بأسره هى العبث مادياً ومعنوياً بتلك المخلوقات الرقيقة بطرق غير آدمية، تبدأ من التحرش اللفظى والجسدى وتنتهى بالضرب والتعذيب وربما التشويه فى بعض الأحيان!.
المذنب هنا ليس شخص محدد بعينه كالزوج أو الأب أو الأخ أو الابن أو المتحرش والمغتصب، وإنما هو ذنب المجتمع كله الذى أصابه الجهل والتراجع الدينى والثقافى والتعليمى بشكلٍ غير مسبوق ليعتنق أفكار الجاهلية ويعود للخلف مئات السنوات!.
فهل لنا من صحوة نستفيق بها من غفلتنا ونعود بها إلى مكانتنا الطبيعية التى يجب أن نكون عليها لننجو بنصف المجتمع ورمانة ميزانه من الضياع فى غيابت الجُب، بالعودة تعاليم ديننا الذى أعلى من قيمة المرأة وكرمها وأمر بالإحسان إليها وحفظ حقوقها وكرامتها، ومن قبله تراثنا وتاريخنا العظيم الذى تجلت فى كل عصوره المرأة المصرية فى أبهى صورها، وما حظت به مؤخراً بعهد قيادة سياسية مختلفة تقدر وتكرم المرأة وتهتم بها مادياً ومعنوياً وصحياً وعلمياً كما لم يحدث منذ مئات السنوات.