دينا شرف الدين تكتب: “رسالة” الفن
إذا لم يكن للفن رسالة واضحة وصريحة ذات تأثير قوي في بناء الإنسان والمجتمعات.. فما فائدته؟
حتماً سيكون دون هدف ليضر أكثر مما ينفع.. وبما أن (الفنون) هي أهم موارد الوعي غير المباشر.
فكما نعلم أن الفنون المختلفة بداية من المسرح والشعر والأدب والموسيقي والغناء والتصوير والعمارة، انتهاءً بالسينما كسابع أنواع الفنون وأحدثها، إلى جانب الدراما التليفزيونية، ذات تأثيرات بالوجدان والوعي شديد القوة، وتكمن تلك القوة بعدم مباشرتها.
إذ أن تذوق الفنون عندما تكون متسقة تتسم بالجمال وقوة المعنى ودقة التنفيذ، سواءً كانت مقطوعة موسيقية أو لوحة تشكيلية أو تصميم معماري أو فيلم سينمائي أو قصيدة شعر أو عرض مسرحي أو مسلسل تليفزيوني، تصبح له قدرة غير عادية على اقتحام مشاعر ووجدان هذا المتلقي، والتأثير بها تأثيرات متعددة، قد تشكل وعياً مختلفاً أو تعمقه وتوضحه حيال فكرة أو موضوع ما.
لذا فالفنون المختلفة لها قدرة سحرية على ترسيخ وتأصيل قيم أخلاقية وجمالية لتتفوق علي غيرها من مصادر تشكيل الوعي الأخرى.
لكن:
ما أود قوله أن هذا المؤلف لم يكن يخلق بأوراقه ملامح الشخصية التي تقود ملحمته التاريخية أو روايته الاجتماعية دون دراسة جيدة، وقصد من وراء قصد، أن تحمل هذه الشخصية من الرسائل والقيم ما يصيب قلوب وعقول المتلقين ليرسخ بداخلهم قدوة بعينها بما تحمله تلك القدوة من أخلاقيات و توجهات وسلوكيات لابد وأن تكون حميدة نافعة، فتؤتي أكلها وتحقق أهدافها وتحدث التأثيرات المطلوبة دون توجيه أو مباشرة.
فتؤثر بوعي أجيال بعينها وتحدد لهم معايير أخلاقية تحكم المجتمع بشكل عام، لتشكل أطراً للوعي المعياري المبني علي قيم وتقاليد وأعراف يلتزم بها الجميع، ومن يخرج عليها، فقد خرج عن المقبول والمألوف.
وكما نعلم جميعاً أننا بمصر كنا ننفرد بأرقى وأسمى الفنون بمختلف أنواعها وألوانها، ما امتد لعقود طويلة، قبل أن تضربنا بالعشرين سنة الماضية موجات متتالية من الركاكة والأعمال التجارية الفارغة من أية قيمة أو محتوى، والتي تأتي وتذهب لتحدث أثرين لا ثالث لهما:
إما أن تمر مرور الفراغ الذي يصيب بالملل، ثم يذهب أدراج الرياح وهذا في حالة عدم الضرر.
وإما أن تحدث تأثيرات سلبية شديدة الخطورة في تشكيل وعي أجيال بعينها، تمت محاصرة مداركها ووعيها بكافة أنواع الرداءة في الموسيقى والغناء والدراما وحتى العمارة التى تعد أحد أنواع الفنون الجمالية ذات التأثيرات غير المباشرة بوجدان ووعي الجماهير.
وغالباً هذا ما حدث بغفلة من الزمن تلك التي صاحبت منحنى الهبوط الذي بلغ أدناه بعقدين من الزمان اتسما بالفساد والتدني بكل شيء.
وما أن انتبهت الدولة وقيادتها لمدى خطورة الفنون بمختلف ألوانها على وعي وسلوك الأجيال الحالية التي افتقدت بحق القدوة ومعايير الخلق والجمال، حتي شنت حملة منظمة متوازية لإعادة إحياء الفنون الراقية التي انتبذت ركناً خفياً لتتواري به.
وتعيد تشكيل منظومة الإعلام والدراما باختلاف أنواعها لتنقذ ما يمكن إنقاذه، وتمحو آثار سنوات من الضلال قد أضلت أجيال تلوثت أسماعهم وأبصارهم وباتت قدوتهم البلطجي الشعبي الذي يحمل من القيم السلبية والموبقات ما لا يصدقه عقل، هذا الذي قد حل محل البطل الشعبي بسنوات التضليل والضلال.
وبالفعل قد لاحت بالأفق بوادر الإصلاح ومحاولات الارتقاء بالفنون من جديد والتصدي لكل ما هو ردىء، وعودة الحديث عن العمل التاريخي الملحمي، وإنتاج بعض الأعمال الوطنية التي من شأنها عودة الانتماء وشحن المشاعر تجاه الوطن، تلك التي كانت قد اختفت، ولم يعد لها وجود بقاموس مفردات الأجيال الجديدة
أخيراً وليس آخراً:
بانتظار عودة تدريجية نتمني أن تكون سريعة للفنون المصرية الراقية بما ستعود به من قيم أخلاقية وجمالية وإنسانية، لتطهر مدارك أجيال قد تلوثت وتغيبت وافتقدت القدوة والحق والخير والجمال، وتعيد تشكيل وعيها على أسس سليمة ويتخذ المنحنى طريقاً جديداً آمناً للصعود.