عالم النجوم

دينا شرف الدين تكتب: “وسائل التضليل الحديثة “..  “الإعلام سابقاً”

دينا شرف الدين تكتب: “وسائل التضليل الحديثة “..  “الإعلام سابقاً”

دينا شرف الدين تكتب: "وسائل التضليل الحديثة "..  "الإعلام سابقاً"
دينا شرف الدين

و في ظل هذه التحولات السريعة و التغيرات الحادة التي يمر بها العالم على كافة المستويات ، و التي في معظمها تسير نحو الأسوأ والأكثر تضليلاً و تتخلي يوماً بعد يوم عن واحدة تلو الأخري من تلك القيم و الأخلاقيات و المعتقدات التي كانت راسخة قبل أن يلتهم طوفان الحداثة بطريقة كل ما هو إنساني، لتبقى المادة وحدها من تحكم زمام أمور كل شئ بكل مكان .

و بما أن وسائل الإعلام بمختلف قنواتها و منصاتها تستظل بمظلة هذا العالم الجديد المختلف بكل المقاييس ، فقد تحولت هي الأخرى بطبيعة الحال إلى شكل ومضمون غير الذي كان.

أما عن هذا الشكل و المضمون :

فقد تطور تقنياً و أصبح أكثر إبهاراً و تركيزاً علي كل ما هو مثير للمشاهد أو المستمع أو حتي القارئ بغض النظر عن قيمة المحتوى و أهميته ودرجة تأثيره الإيجابية على المتلقي مثلما كان بالماضي ،

و باتت السطحية و البحث عن الفرقعة الإعلامية الغير مشروعة و البعيدة كل البعد عن حدود المهنية هي معيار النجاح المتجسد بنسب المشاهدات دون غيرها.

و لكن:

الكارثة الأكبر و الأخطر ، هي انعدام المصداقية الذي أصاب معظم وسائل الإعلام ، فيوماً بعد يوم نصطدم بأخبار مغلوطة و جمل مجتزأة و مقاطع مفبركة ، قد تثير الرأي العام تجاه قضية ما ، ثم سرعان ما نعرف أنها غير صحيحة ، و قد تعتذر بعض المنصات الإعلامية بعدها و لا يعتذر معظمها ، إذ أن معايير الثقة و المصداقية و الشفافية لم تعد تشغل بال القائمين على صناعة المحتوى الإعلامي كثيراً.

فبعد أن كانت الأخبار و المعلومات التي تبثها وسائل الإعلام موثوق بصحتها تماماً ، باتت الآن و بعد تداخل المنصات الإعلامية الكثيرة على وسائل التواصل الاجتماعي المتعددة ، و اختلاط الحابل بالنابل ليست محل ثقةً، 

إذ أصبحنا نكتشف أن قنوات التليفزيون و البرامج الكبيرة تستمد معلوماتها و موضوعاتها من وسائل التواصل الإجتماعي التي تعتمد الشائعات والمبالغات مادة أساسية.

فعلي سبيل المثال: 

اجتزاء جملة الإعلامية لميس الحديدي مؤخراً عن ،احتمالية اقتراح الشباب قريباً أن تؤدي مناسك الحج افتراضياً من خلال تقنية الميتا فرس ، لتنشرها شبكة رصد الإعلامية على أنها مقترح لميس الحديدي ، فتثير الرأي العام ضدها في محاولة رخيصة للإساءة ،

و غيرها من المغالطات و الأكاذيب سواء كانت عن عمد أو حتي عن جهل و استهتار و استخفاف بالمتلقي و عدم احترامه و الضرب بما كان يسمى بالمصداقية الإعلامية و شرف المهنة عرض الحائط.

ناهيك:

عن سطوة التريند التي أفشلت كافة المساعي الطيبة لإصلاح منظومة الإعلام المهلهلة التي وقعت فريسة سهلة لهذا التريند ، و الذي نال من القيمة لتنتبذ ركناً بعيداً و أعلي من التفاهة لتصبح مفتاح النجاح ، و جعل من السوشيال ميديا بعالمها الإفتراضي و نجومها الكثر قدوة تقتدي بها وسائل الإعلام التقليدية بحثاً عن تميمة الحظ المسماة بالترند.

أما الكارثة الأكبر، فهي هذا الكم الهائل من المنساقين أو كما يسمونهم المتابعين الذين يقدرون بالملايين لهؤلاء الذين شكلوا مرضاً خبيثاً يضرب بكل قيم المجتمع والدين والأخلاق عرض الحائط .

فكيف نمنع أبنائنا من الخوض في دهاليز هذا العالم الفاسد الذي استغرق به الكبير قبل الصغير ، دون لحظة تفكير متعلقة أن هذا الانسياق حتي و إن كان من باب الفضول ما هو إلا ترسيخاً و تمكيناً لهؤلاء المفسدين عن طريق زيادة القاعدة الجماهيرية من المتابعين حتى و إن كانت متابعاتهم و تعليقاتهم كلها سلبية .

إذ أن كل ما يعني هذا القطاع المستجد من نجوم العالم الإفتراضي و كذلك الإعلامي، عدد الإعجابات و التعليقات والمشاركات حتي و إن كانت كلها سب و قذف.

فمن ذا الذي يقوى على تقييم أداء هؤلاء ليمنحها جواز المرور أو المنع لما يشكله من خطر داهم على وعي أجيال ما زال بمرحلة التشكيل ؟

و من الذي يستطيع أن يمنع فلان أو علان من طرح نفسه أو من يتابعونه ليمنعهم عن هذه المتابعة التي تعزز و تقوي شوكة هذه الشراذم السامة بالمجتمع؟

فإن كانت وسائل الإعلام التي من المفترض أن تكون محل ثقة و مصدر موثق للمعلومات هي الأخري باتت تسير بركب وسائل التواصل و تهرول خلفها مسرعة لعلها تنال حظها الوافر من الإنتشار و قوة التأثير، فمن ذا الذي سيحمي أجيالنا الجديدة من هذه السموم التي تتجرعها و تتأثر بها بمراحل تشكيل الوعي؟

و بما أن من الهموم ما أضحك، 

سأروي لكم في عجالة ما يؤكد حجم الكارثة التي نراها و نعلم مدى خطورتها دون حيلة تملكها أيدينا:

” ذات يوم سمعت دون قصد مساعدتي بالمنزل تتشاجر مع أحد علي الهاتف ، وده لأن صوتها عالي جداً، ثم سألتها ( ايه المشكلة) 

فحكت لي أن هناك حرباً متبادلة بين ابنتها و إخوتها علي “الفيز” كما تنطقها لأنها لا تعرف حتى القراءة و الكتابة و كله سماعي، و ما يتم تبادله من شتائم و فضائح و اتهامات تخرب بيوت زي ما بيقولوا “

سمعت قصتها الغريبة لأدرك أن هذه المنصات لم تقتصر فقط على تضييع الوقت و نشر التفاهات و الشائعات و الرذائل و الإبتزازت ، بل تخطت ذلك لما هو أبشع و أدل سبيلا، إذ أضيف لها أيضاً أوبشن جديد و هو أن تفسح مجالاً للخناقات و التشهير و تبادل العداء و فضح الآخر بما لها من سرعة انتشار و سهولة أداء “

و للحديث بقية.

 

نهى مرسي

نائب رئيس تحرير الموقع
زر الذهاب إلى الأعلى